أكتوبر.. حين امتزجت الدماء الكويتية والمصرية

أكتوبر.. حين امتزجت الدماء الكويتية والمصرية
بقلم - الدكتور يوسف العميري

كلما هلت ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، شعرت بالفخر، ورحت أتذكر مشاهد اختلطت فيها الدماء بالعزة والكرامة والعروبة، لتشكل لوحة مؤثرة تدمع لها العيون.

فقبل تسع وأربعين عاما، امتزجت دماء الكويتيين بدماء أشقائهم المصريين، في حرب أكتوبر المجيدة، التي لم تكن حرب المصريين وحدهم، بل حرب العرب جميعا.

أكتوبر - بالنسبة لي - تمثل النقطة الفاصلة التي أكدت بشكل قاطع لكل شك.. أن العرب إخوة.

ولم تكن حرب أكتوبر هي الأولى ولا الأخيرة، التي تشهد امتزاج دماء أبطال الكويت ومصر.. فقد امتزجت دماء أبناء البلدين في حروب الاستنزاف وأكتوبر.. وكذلك حرب تحرير الكويت في تسعينات القرن الماضي.

وربما كثير من أبناء الجيل الحالي، لا يعرفون أن الجيش الكويتي شارك في حرب السادس من أكتوبر بلواء اليرموك، وطيبت دماء شهدائه أرض الفيروز.. في صورة جلية تترجم حقيقة الروابط الأخوية والعلاقات العميقة الوطيدة بين شعبي الكويت ومصر، وكذا القيادة السياسية في البلدين الشقيقين.

وتقول الشهادات الموثقة، من العسكريين والمؤرخين، إنه حين فتح باب التطوع من أجل مؤازرة مصر في العام 1967، استقبلت مخافر الشرطة الكثير من الكويتين، حيث تسابق كبار السن قبل الشباب في تسجيل أسمائهم، من أجل الدفاع عن مصر والعروبة.

وفي تلك الأثناء نشرت الصحف الكويتية صور الأبطال من الجيش الكويتي، خلال تجمعهم للسفر إلى أرض المعركة.. مصر.

أما في حرب أكتوبر 1973، فلم تقتصر المشاركة الكويتة على التواجد العسكري والقتالي على الجبهة بنحو ثلث قوتها العسكرية، بل كان لقيادة الكويت الدور البارز في قرار حظر تزويد الدول الداعمة لإسرائيل بالبترول.. وهو القرار الذي مثل ضربة قاتلة لإسرائيل ومن تمترسوا في خندقها.

وهنا لا بد أن نذكر شهداء الكويت في مصر.. ست وأربعون شهيدا من خيرة رجال وشباب الكويت، روت دمائهم الذكية أرض الكنانة، ودفنت أجسادهم الطاهرة في الإسماعيلية والسويس.

لهذا لم يكن من الغريب أن تسارع الشقيقة مصر، وترسل جيشها الباسل لتشارك في تحرير الكويت في العام 1991، لتروي دماء أبناء «المحروسة» أرض الكويت.

وعلى ذكر جيش مصر، لا يمكنني أن أفوت الفرصة للحديث عن البواسل، هؤلاء المغاوير الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، وتسلحوا بالإيمان بالله وحب الوطن، وراحوا يسطرون ملاحم لم يكن لعقل بشر أن يتخيلها.

فقد بنت إسرائيل سلسلة من التحصينات الدفاعية، على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، وأخذ قادتها العسكريون يتغنون بحصانة خط برليف «المنيع»، وأنه غير قابل «للعبور» ولا يمكن تدميره حتى بأقوى القذائف.. إلى أن جاء المصري البسيط، الذي نسف السد بأبسط سلاح.. الماء!

تلك هي الروح والعقلية المصرية.. روح تؤمن بأنه لا مستحيل.. وعقلية تفكر بشكل غير تقليدي، فتوجد الحلول البسيطة لأصعب المشاكل، التي قد تصل إلى درجة المستحيل.

وإن كان كلامي عن نصر أكتوبر بمثابة «الشهادة المجروحة»، لكوني رجل كويتي عربي يحب مصر وأهلها، فإنني ساستعيد ما قالته بعض الصحف والوكالات العالمية، الصادرة وقتها.. إذ قالت مثلا صحيفة الدايلى ميل الشهيرة، إن «الأسبوع الذى شهد اندلاع الحرب كان أسبوع تأديب وتعذيب لأسرائيل، ومن الواضح أن الجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وعزم»، فيما قالت الفاينانشيال تايمز «اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة كما كانوا يحسبون من رجال لا يقهرون.. الثقة الإسرائيليّة بعد عام 1967 بلغت حد الغطرسة الكريهة التي لا تميل إلى الحلول الوسط، وهذه الغطرسة تبخرت في حرب أكتوبر».

إن السادس من أكتوبر، هو اليوم الذي وحد العرب وأظهر قوتهم الحقيقية ومعدنهم الأصيل، فقد كنا جميعا مصريون، وكان كل منا يهتف بكل إيمان وحماس: «اسلمي يا مصر إننى الفدا.. .ذى يدى إن مدت الدنيا يدا».

في هذا اليوم العظيم، أقدم التحية لأبطالنا وشهدائنا الأبرار من أبناء الكويت والشقيقة مصر.. هؤلاء الذين قدموا أرواحهم فداء للحق.

أهم الأخبار