وطن ينزف مستقبله.. .حتى لا يصبح الكويتي «بدون» في بلد آخر

وطن ينزف مستقبله.. .حتى لا يصبح الكويتي «بدون» في بلد آخر
الدكتور يوسف العميري
دكتور / يوسف العميري

اختتمت مقالي السابق المعنون «بدون خوف ونفاق.. .هوية الكويت في خطر»، بعبارة «وللحديث بقية.. .»، وأصارحكم لم أكن أعرف أنني سأعاود الكتابة في هذا الشأن بهذه السرعة، غير أن ما سوف أتناوله في السطور القادمة، يمكن اعتباره بمثابة «هجمة مرتدة» كما يقال في مباريات كرة القدم.. .فلماذا؟

جميعنا يعرف أبعاد قضية «البدون» وسعيهم للحصول على الجنسية الكويتية، للتمتع بحقوق المواطنة كافة، وبعيدا عن الجدل الدائر بالخصوص، فقد لاحظت ظاهرة عكسية، يعاني فيها المواطن الكويتي الشاب، الذي يحمل الجنسية، أبا عن جد الجد، والذي تخرج ونال أعلى الشهادات الدراسية في مختلف التخصصات المهمة.

القصة باختصار أن هناك شباب كويتي لا يجد في وطنه فرصة عمل تليق ومؤهلاته الدراسية، ما يدفعه إلى أن يبحث عن فرصة عمل مناسبة في «وطن» آخر، ليصبح في ذلك الوطن أو البلد الجديد.. .«بدون».

تصور أخي الكريم، شابا كويتيا أنفقت الدولة على تعليمه الكثير من المال والجهد، وبات على علم ومعرفة متقدمة، وفي تخصصات مهمة وحيوية، وبدلا من أن يفيد بلده بما تعلم، يضطر - وأكررها يضطر - للسفر خارج الكويت، كي يحظى بفرصة عمل تلائم مؤهله الدراسي والعلمي!!

للوهلة الأولى قد تظن أن ذلك الشاب الذي تعلم على نفقة «الوطن» ناكر للجميل.. .بينما الحقيقة أنه مواطن لا يقل وطنية وإخلاص عن أكثر المحبين لوطنهم، بل ويحلم بأن يرد الجميل، وأن يفيد وطنه بما تعلم، لكنه لا يجد الفرصة لذلك، فسوق العمل طارد له.

تقول الإحصاءات الرسمية، على لسان الوكيل المساعد للبعثات والمعادلات والعلاقات الثقافية بوزارة التعليم العالي الكويتية، في العام 2020 إن إجمالي عدد الطلبة الكويتيين في الخارج يبلغ نحو 33 ألفا.. .فيما يكشف الدليل السنوي للدراسة في الولايات المتحدة لعام 2018، أن الكويت هي أكثر الدول ابتعاثاً لطلبتها للدراسة في الجامعات الأميركية، وبلغت نسبة المبتعثين بها نحو% 4.6 من إجمالي أعداد الكويتيين ممن هم في عمر الالتحاق بالجامعة.

ويدرس الكويتيون في مختلف التخصصات، بداية من الطب والكمبيوتر ومختلف العلوم التطبيقية.. .وحتى الآداب والفنون.

إذا الدولة لم تقصر إطلاقا في ما يتعلق بالابتعاث، فالأعداد كبيرة، كما أن الطلاب يدرسون في أفضل جامعات أوروبا والولايات المتحدة، ما يعني أنهم بالفعل خريجون مؤهلون على أعلى مستوى، ومن المنطق أن يستفيد الوطن منهم.

والمثير للسخرية، أنه في الوقت الذي يعاني فيه أبناء الوطن، وهم الشباب الذي من المفترض أنه يشكل مستقبل الكويت، من عدم الحصول على الفرصة المناسبة، فإننا نستقدم أصحاب الحرف والمهن وغيرهم من مواطني الدول الأخرى الذين لم يحصلوا على تعليم بنفس الجودة التي حصل عليها شبابنا.

وهنا تكمن المفارقة، نستقدم غير الكويتي ذو الجودة العليمة المنخفضة، ونطرد الكويتي الذي تعلم وتخرج في أعرق جامعات العالم!

يا عالم، قليل من المنطق أثابكم الله، فلا يصح أن يصبح الكويتي «بدون» في وطن آخر، ولا يصح أن ينزف الوطن مستقبله بخسارة هذه العقول الوطنية الشابة.

أهم الأخبار