عدوى أحلم بانتقالها من ملاعب الكرة إلى ملاعب السياسة

عدوى أحلم بانتقالها من ملاعب الكرة إلى ملاعب السياسة
دكتور / يوسف العميري

مرة أخرى، تمكنت المملكة العربية السعودية من توحيد كلمة العرب، وجمعهم على قلب رجل واحد، فقبل أسابيع شكلت الحكومات العربية لوحة غاية في الجمال، حين سارعت بتأييد موقف المملكة في ما يتعلق بقرار خفض إنتاج النفط، في إطار أوبك بلس، وهو القرار الذي أغضب الأمريكان، إذ كانت تطمح واشنطن في زيادة الإنتاج لتدعيم موقفها في مواجهة الدب الروسي.

وإذا كان ما فعلته السعودية وقتئذ بمثابة الهدف لكنه في الملعب السياسي، فإنها أحرزت هدفا فعليا في ملعب الكرة، بل هدفين، بتغلب الأخضر على راقصي التانجو (الأرجنتين)، وخروج رفاق سالم الدوسري بنقاط المباراة الثلاث، في مواجهة رفاق ميسي.

كل المؤشرات كانت تقول إن الغلبة - حتما - ستكون للأرجنتين، التي تملك كتيبة من لاعبين على أعلى مستوى، بقيادة الأيقونة ميسي، الذي يكفي ذكر اسمه لإثارة الرعب في نفوس لاعبي الفرق الأخرى.

لكن كل الحسابات والتاريخ وأسماء اللاعبين تسقط أما الاجتهاد والعطاء.. وهذا ما حدث في هذه المباراة التاريخية، التي ستسجل بحروف من نور في سجلات كأس العالم.

صحيح أنني فرحت لفوز المنتخب السعودي الشقيق، لكن فرحتي بفرحة العرب جميعا واحتفائهم بالانتصار التاريخي، وكأنه انتصار لكل العرب.

قد يقول قائل إن هذه مجرد لعبة، وإن فرحتنا مبالغ فيها، فالأمر لا يستحق.. لكنني أقول إن هذا الانتصار له دلالات أبعد من مجرد كرة يتنافس عليها اثنان وعشرون لاعبا، فهو انتصار بمثابة رسالة لنا جميعا.

تلك الرسالة - ببساطة - تقول إننا لسنا أقل من غيرنا، وكل ما نحتاجه لتحقيق النصر - في أي مجال - هو الروح والاجتهاد والمثابرة، من أجل تحقيق المراد.

ولندرك قيمة ذلك الانتصار التاريخي، تعالوا معا نستعرض القرار الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، احتفالا بما تحقق.. إذ صدر أمر ملكي بإعلان إجازة رسمية، الأربعاء (اليوم التالي للمباراة)، لجميع الطلاب والموظفين في المدارس والجامعات داخل المملكة العربية السعودية، فضلاً عن تعليق العمل للموظفين بالقطاعين العام والخاص.

ولا أخفيكم سرا إذا قلت إنني فرحت بالاحتفاء العربي الشعبي بهذا الانتصار، أكثر مما سعدت بالتهاني الرسمية التي أرسلها قادة ومسئولون عرب، وهذا ليس تقليلا من شأن التهنئة الرسمية - بالطبع - لكنني دوما منحاز للشعوب، وبذلك التعاضد الذي يقوي روح الأخوة بيننا.

ومع ذلك تجدر الإشادة برسائل القادة العرب، ومن بينها تهنئة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي المنتخب السعودي لكرة القدم بفوزه التاريخي على منتخب الأرجنتين.. وكذلك تهنئة الملكة رانيا العبد الله زوجة ملك الأردن عبد الله الثاني.. وعلى الدرب نفسه سار أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط.. وغيرهم من المحيط إلى الخليج.

وقد اكتملت فرحتي بالانتصار السعودي والفرحة العربية، حين تعمدت متابعة الجماهير في مدرجات المباريات التي يكون أحد طرفيها منتخبا عربيا، فإذا لعبت قطر اتشح كل العرب باللون العنابي في المدرجات وخلف الشاشات.. وإذا كان أحد المتباريين هو المنتخب المغربي كان المشهد نفسه، فالجميع يلتف خلف ألوان العلم المغربي.

وقد زاد من سروري تصريحات جلال القادري مدرب تونس، الذي قال «نعرف أن الجماهير العربية بشكل عام، والمصرية بشكل خاص ستكون وراءنا، الجمهور المصري سيكون أكبر مساند لنا.. .نشكر الجماهير المصرية التي ستدعمنا، ولو كان الأمر معكوسا، ومصر هي التي تأهلت للمونديال لكنا دعمناهم».

هذه هي الروح التي تطربني، وتجعلني أحلق في السماء.. فقد آن الآوان يا عرب لنبذ كل خلاف، ولتنتقل هذه الروح الملهمة (كعدوى حميدة) من ملاعب الكرة إلى ملاعب السياسة وغيرها، لنكون يدا واحدة في مواجهة عالم متوحش يلتهم المستضعفين.

أهم الأخبار