الخطايا الكبرى فى مسلسل الضاحك الباكى

الخطايا الكبرى فى مسلسل الضاحك الباكى
محمد أبو شادي

قبل الدخول فى التفاصيل

لايجوز أبدا الحكم على جودة عمل فنى بعد مشاهدة حلقتين او ثلاثة من مسلسل قوامه31 حلقة، فهذه الأحكام ظالمة ولاعلاقة لها بالموضوعية أو النقد مهما كان قدر أصحابها، ( خاصةَ السادة المتخصصين ) وتظل مجرد انطباعات شخصية لقائلها، فعلى سبيل المثال لو هناك عرض سينمائى لأحد الأفلام، هل يمكن أن تحكم على الفيلم بعد الخمس دقائق الأولى؟، وتهمل ساعتين أوساعة ونصف من زمن الفيلم بحجة أن ماشاهدته يكفى لأن الفيلم ضعيف فنيا؟!

اقول هذا بعد الهجوم العنيف الذى تعرض له مسلسل الضاحك الباكى عقب عرض حلقاته الأولى، نعم المسلسل به أخطاء ومشاكل عديدة لكن لابد لى أن أرى العمل حتى الثانية الأخيرة له، فهل للقاضى أن يصدر حكمه قبل تفحص القضية والأستماع للنيابة ثم المتهمين والدفاع عن الجانى والمجنى عليه، ربما تكون المقارنة هنا بعيدة، ولكن المقصود أننا يجب ألا نتعجل الحكم على عمل فنى، اشتغل عليه مايقرب 500 شخص مابين عمال وفنيين ومتخصصين واداريين وفنانين وكاتب ومخرج، واستحالة تلغى جهدهم وتعتبرهم فاشلين جميعا، وحتى لوكانوا كذلك، لابد أن تشرح أسباب هذا الفشل وتشير أليه حتى يتجنبوه فيما هوقادم من أعمال، وبالتأكيد لايرغب أحد الفشل ويسعى أليه.

الكتابة

يظل الأنطباع العام للمشاهد أن مسلسل الضاحك الباكى لم يتم التعب والسهر عليه ليظهر فى ابهى صورة تليق بتاريخ نجيب الريحانى ( 80 مسرحية و10 أفلام سينمائية منها 3 دخلت ضمن تصنيف أحسن مائة فيلم وهى طبقا لسنة الأنتاج سلامة فى خير 1937 واحتل المركز 76، وفيلم سى عمر 1941 واحتل المركز 81، وغزل البنات 1949 واحتل المركز ال 9.

والثلاثة أفلام اشترك الريحانى فى كتابة السيناريو والحوار مع بديع خيرى وانور وجدى، ونلاحظ أن الحديث عن السينما لم يأخذ المساحة الزمنية الكافية وهناك أفلام تجاوزها المسلسل ولم يتحدث عنها.

وإذا اعتبرنا المسرح هى الساحة الحقيقية للريحانى فنلاحظ أن المؤلف ركز فى أمور ثانوية ولم يتناول وجود الريحانى وسط مجموعة من اصحاب الفرق المسرحية المنافسة مثل فرق على الكسار، ومنيرة المهدية ويوسف وهبى، وعكاشة.. الخ وهذا كان سيرسخ اكثر للحركة المسرحية التى ساهم بها الريحانى ومعه بديع خيرى طوال عشرين سنة تقريبا من تاريخ مصر، عاصر فيها حربين عالميتين، وقيام أعظم ثورة شعبية فى تاريخ المصريين عام 1919، ولعب فيها الريحانى دورا وطنيا كبيرا.

أصدقاء فجأة

فى الحلقة الخامسة يفاجئنا المؤلف بظهور عزيزعيد ومحمد عبد القدوس كأصدقاء للريحانى بدون أى تمهيد تاريخى لهذه الصداقة التى تظهر لنا أنهم أصدقاء عمر ( أمتى وفين؟؟ )، أيضا نلاحظ التناقض الشديد الذى يقع فيه فى حواره مع الشخصيات وعنهم، مثلا فى الحلقة الآولى يتغزل إلياس ريحانه - باسم قهار - فى جمال زوجته!، أو نرى هذا التناقض الشديد فى علاقة الأم لطيفة معتوق بأبنها نجيب - خاصة فى الحلقات الأولى - وكرها الشديد له، رغم إنه هو الذى يصرف عليهم، ثم ينقلب الحال بعد ذلك، بدون وجود أى مبرر درامى لهذا التناقض؟

وفى الحلقة 25 هناك خطأين، الأول عندما ظهر الريحانى وهو يقوم بالتوقيع على استمارات توكيل سعد زغلول وفى الخلفية يافطة مسرح جورج ابيض، ومفترض أنه يكون امام مسرحه هو، والخطأ الثانى عندما ذهبت بديعة مصابنى لعزيز عيد تطلب منه تناسى خلافاته مع الريحانى وتقول له أن الريحانى هو الذى ارسلها، ( رغم ان الأحداث لم تقدم لنا أى لقاء بين بديعة والريحانى بعد خروجها من الحجز! ثم يأتى المشهد لاحقا بين بديعة والريحانى وتطلب منه ان يصالح عزيز!

تسكين الممثلين / اختيار الكاست

المخرج وفريق عمل المسلسل جانبهم الصواب فى اختيار الأدوار الرئيسية والبداية مع الفنانة الكبيرة " فردوس عبد الحميد 25 / 2 1947 " والتى قدمت دور والدة الريحانى - لطيفة معتوق - وظهرت من الحلقة الأولى وهى ترعى 4 أطفال أكبرهم توفيق 12 سنة، يليه نجيب 10 سنوات، ثم يوسف 6 سنوات، ثم طفل رضيع - جورج - مفترض عمرها ( حينئذ )على أقصى تقدير 30 عاما، وليس 75، وهذا ليس تقليل من قيمة الفنانة، حتى لو كان الأمر يتعلق بتقديم مشهد واحد لها فى هذا العمر، لأنك بصدد تقديم مسلسل تليفزيونى وليس إذاعى والأعتماد الأساسى للعمل هو الصورة، فكيف سيقتنع المشاهد بأن فردوس عبد الحميد أم لرضيع؟

وإذا تجاوزنا على الشكل فى هذه الحلقة هل ممكن أن نغفل حركة الممثل أمام الكاميرا؟ وواضح جدا تقدم العمر وهى بتتحرك، أو وهى تصعد الدرج داخل القصر فى الحلقة الأولى، حتى فى الحلقات التالية حتى نهاية المسلسل والذى يفترض أن أحداثه تتحدث عن خمسين سنة من حياة نجيب الريحانى لم أجد تغييرا يذكر على شكل وحركة الأم - لطيفة معتوق - التى قامت الفنانة فردوس عبد الحميد بدورها، ولايستطيع المخرج فعل شئ.

والأمر يمتد لأختيار الفنان "عمرو عبد الجليل 10 / 1/ 1963 "، فى دور" نجيب الريحانى 21/ 1/ 1889 - 8/ 6/ 1949 "، وقام بدوره فى سنة العاشرة زياد الشرقاوى، ثم ظهر عمرو فى الحلقة الثانية ومفترض كان عمره 16 سنة على الأقل، رغم عدم وجود اى تناسب شكلى بين زياد وعمرو!!، لكن المدهش أن المؤلف جاء فى الحلقة الرابعة وذكر موافقة الخديو عباس حلمى على مد امتياز قناة السويس، وتاريخيا هذا كان عام 1910!! وهذا معناه أن نجيب وقتها كان عمره 11 سنة فكيف وعمرو 59 عاما؟؟! ولايستطيع أعظم ماكيير فى العالم تصغير ملامحه لتناسب زمن المسلسل، وهناك ملاحظة أساسية أن طول زياد الشرقاوى تقريبا هو نفس طول عمرو، فهل يستقيم القول أن الريحانى ظل طوله ثابتا منذ كان عمره عشر سنوات حتى وفاته؟! كما أن لون البشرة مختلف بين الأثنان. وظل عمرو عبد الجليل كما هو من الحلقة الثانية حتى الحلقة الثلاثين مع اختلافات بسيطة لاتعطى الأنطباع بأن هناك تغييرا قد حدث فى العمر منذ ظهر مؤديا شخصية الريحانى 1914 حتى الحلقة 31 - الأخيرة -.

وربما يقترب عمرو فى الشكل مع الريحانى، لكنه لم يقترب من روح الريحانى، ولم يذهب للشخصية، وقدمها من الخارج، وكان يردد كلمات حواره بدون روح ومعايشة واحساس بكل كلمة، واكتفى فقط بالجملة الشهيرة ( أنا كده، حظى كده.. .. الخ ) كما إنه استخدم لغة ابراهيم توشكا ( شخصيته فى فيلم كلمنى شكرا )فى حواره مع المعلم فتيحه - اسماعيل فرغلى - فى الحلقة الثانية عندما قال له: " أنا أطرش مابشوفش "!

الأخ الأكبر أصغر من الأخ الأصغر!

مازلنا فى الكاست وهو من أولويات المخرج، بالأشتراك مع المؤلف ونتسائل كيف جاء توفيق الأخ الأكبر الذى قدم دوره " مؤمن نور 20 / 6 1983"، أى ان عمره 39 سنة، وهذا واضح جدا فى الشكل، وماهو المبرر لهذا الأختيار ليكون شقيق نجيب الكبير وعمرو 59 سنة؟

والأغرب أن يكون الشقيق الثالث فى الترتيب، يوسف الذى قدم دوره " محمد صلاح آدم 11/ 11/ 1978 " عمره 46 سنة!

محمد سليمان

لا شك أن " محمد سليمان 12 / 10 / 1964 " قدم شخصية " استفان روستى 1891- 22/5 / 1974 " على اروع مايكون ولكن عمره لايتناسب مع الشخصية ونفترض أن ظهوره 1914 اى كان عمره وقتها 21 عاما فكيف ذلك والتجاعيد واضحة جدا فى رقبة محمد سليمان.

بديعة مصابنى

فى حوار مسجل لها مع ليلي رستم عام 1966 قالت " بديعة مصابنى25 / 2/ 1892 - 23 / 7 / 1974 " انها جائت مصر1912 مع والدتها أى كان عمرها 20 سنة، وانها تزوجت الريحانى عام 1925 ولمدة 18 سنة، وانها سافرت مع

الريحانى لأمريكا الجنوبية لتقديم عروض هناك ومكثا سنة كاملة وكانت عروض ناجحة جدا، ( المسلسل ذكر أنهما اختلفا فور وصولهما وعادت بديعة لمصر )

وأن اسمها بديعة حبيب مصابنى ( المسلسل قال أن اسمها بديعة جورج )

وقدمت الدور الفنانة " رزان مغربى 19/8 / 1973 " 49 سنة! ولم يتم أى تغيير على ملامحها منذ ظهورها حتى نهاية المسلسل، كأن أبطال العمل لايكبرون ابدا ولايستطيع الزمن التأثير عليهم.

بديع خيرى

يعتبر بديع خيرى - 18 / 8 /1893 - 3/ 2/ 1966 - شريك النجاح مع الريحانى وقم بدوره ياسر الطوبجى - 6 / 11/ 1978 - واجتهد جدا فى أداء الشخصية، ووقع بديع خيرى أول عقد مع الريحانى عام 1918. وكما قال فى حديثه التليفزيونى مع أمانى ناشد إنه وافق عيد ميلاده ال25، ولو قلنا أن عمر ياسر ربما يتوافق مع عمر بديع فى هذه المرحلة، لكن بعد ذلك لماذا لم يهتم المخرج بتطور شكل وملامح الشخصية من 1918حتى 1949 بالشكل الذى يقنع المشاهد بأن هؤلاء البشر بيكبروا عادى جدا.

فاضل ودراما السيرة الذاتية

للمخرج الكبير محمد فاضل - 22/ 6/ 1938، تجربتين فى السير الذاتية ولم تكونا فى الدراما التليفزيونية، الأولى فيلم ناصر 56 تأليف محفوظ عبد الرحمن

وبطولة أحمد زكى، عام 1996، والثانية فيلم كوكب الشرق تأليف ابراهيم الموجى وبطولة فردوس عبد الحميد 1999، وناصر 56 من الألف للياء مشروع أحمد زكى، ورغم ابتعاده فى الشكل والجسم عن جمال عبد الناصر، إلا أنه أقنعنا بأنه ناصر بكل تفاصيله وهنا تلعب موهبة الممثل الدور الرئيس فى الحكاية، وقدم بعد ذلك السادات وحليم وكان هناك مشروع فيلم عن مبارك.

ثم جاء وقدم فاضل فيلم كوكب الشرق يوليو 1999، واستعرض فيه ملامح من حياتها العاطفية ثم علاقتها بثورة يوليو، ولاشك أجتهدت الفنانة الكبيرة فردوس عبد الحميد فى تقديم أم كلثوم جدا، لكن لم يحقق الفيلم النجاح والتأثير الذى حققه مسلسل أم كلثوم بتوقيع محفوظ عبد الرحمن والمخرجة إنعام محمد على والذى عرض بعد 4 شهور من عرض الفيلم أى فى ديسمبر 1999، وحقق نجاحا مدويا لأكتمال كل العناصر الفنية للعمل.

إذن مسلسل الضاحك الباكى هو التجربة الأولى للمخرج محمد فاضل فى تقديم سيرة ذاتية فى الدراما التليفزيونية. وربما تكون هناك كواليس أدت الى هذه النتائج السيئة لهذا العمل، لأن تاريخ محمد فاضل منذ قدم أول سهرة تليفزيونية 68 19

وانتهاء بآخر عمل ( قبل الضاحك الباكى ) 2012 هناك تاريخ من الروائع تعدى الخمسين مابين الدراما التليفزيونية - فى الأغلب - والسينما، التى كان فيها ضيفا، ولكنه ضيف له وزنه وثقله.

هذا لاينفى وجود مشاهد جميلة وفنانين جاء اختيارهم موفقا مثل رامى الطمبارى

سيد الرومى، هاجر الشرنوبى، ياسين الضوى، محمد سليمان، باسم قهار، صولا عمر، ياسر الطوبجى، والفنان الجميل مصطفى شوقى الذى قام بدور سيد درويش بجدارة، وزياد الشرقاوى.

أهم الأخبار