باتيلي التائه في ليبيا

باتيلي التائه في ليبيا
عبدالله باتيلي (الإنترنت)
دبوس كتبه: محمود غريب

منذ تولى منصبه في سبتمبر 2022، لم يقدم ثامن مبعوث أممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي نهجًا مغايرًا للسبعة السابقين، يمكن الاستناد إليه لتقييم بوصلته في الأزمة الليبية المتأزمة، سوى تصريحات تجد صدى صوتٍ رنان داخل غرفة مغلقة.

من قبل أن تحط قدماه في الأراضي الليبية، شهدت عملية اختيار ممثل للأمين العام للأم المتحدة لدى ليبيا حالة من التعقيد الناجمة عن تنافس أميركي - روسي حيال الشخصية التي يمكن أن تؤتمن على قيادة المفاوضات السياسية بين الليبيين.

بعدما هبطت طائرته في العاصمة طرابلس، وارتحل متنقلاً بين مدن ليبيا (شرقها وغربها وجنوبها)، قدّم باتيلي صورة تبدو حالمة عن الفرص التي يحملها لإحداث اختراق في الملف الليبي المُعقَّد.

لم يخرج باتيلي من جعبته «الحل السحري» الذي تعهَّد بإلقائه أمام الجميع، بل جاءت مبادرته الأخيرة دون سياق زمني أو خطوات تنفيذية للبناء

بعد أشهر من المداولات والتصريحات الحماسية والتعهُّد بتجاوز المُعرقِلين للعملية السياسية، لم يخرج باتيلي من جعبته «الحل السحري» الذي تعهَّد بإلقائه أمام الجميع، بل جاءت مبادرته الأخيرة دون سياق زمني أو خطوات تنفيذية للبناء، ولقيت ردود فعل متباينة، أكثرها تفاؤلاً هو قبولها على مضض، أو «قبول مشروط»، بينما نظر إليها أغلب المستهدفين بالجلوس على طاولة الحوار بنظرة ريبة.

خلال الأسابيع الماضية تلقى باتيلي أيضًا تقريعًا شديد اللهجة من بعض أطراف العملية السياسية في ليبيا، لاسيما المعسكر الشرقي للنخبة الحاكمة، وصلت إلى حد المطالبة بتغييره، واعتباره منحازًا لطرف على حساب آخر.

اقرأ أيضًا: «خليجيون» تستقرئ مستقبل الأزمة الليبية

من سوء الحظ أن مهمة باتيلي صادفت أزمات إقليمية معقدة على غرار الحرب الأوكرانية أو العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني أو أزمات اقتصادية عالمية ذات تأثيرات محلية، ناهيك عن «أم الكوارث» عندما ضربت السيول والفيضانات مدن شرق ليبيا، وبالتالي فإن الحظ لم يتحالف معه في كثير من الأحيان، لكن صاحب الأربعين عاما من الخبرة في المجال السياسي والتفاوضي لم يتجاوز هذه العقبة باصطحاب الملف الليبي بعيدًا عن التوترات الخارجية.

هل كان المبعوث الأممي الثامن لا يعرف الكثير عن الحالة الليبية قبل أن تطأ قدماه الأراضي الملتهبة، وهل درس إخفاقات من سبقوه لتجاوزها، وماذا يمكن أن يقدم في حقل الألغام الحالي، ولماذا كان حالمًا أول الأمر؟

هل استفاد باتيلي من التاريخ الذي درّسه لأكثر من 30 عامًا وهل درس إخفاقات من سبقوه لتجاوزها

وهل استفاد باتيلي من التاريخ الذي درّسه لأكثر من 30 عامًا في جامعة «الشيخ أنتا ديوب» في السنغال، كما حاضر في العديد من الجامعات حول العالم، حول فلسفات التاريخ.

هل يتجاوز المبعوث الأممي الأطراف التي يعتبرها مُعرقلة للعملية السياسية إلى أجسام أخرى أكثر تجاوبًا مع طرحه، وهل بالإمكان أصلاً فرض حلول واقعية قابلة للتطبيق، كلها أسئلة يمكن لأقل المتابعين للمشهد الليبي أن يضعها أمام المبعوث الأممي على طاولة جلوس ولا ينتظر لها ردًا، فلا باتيلي يعرف الحل ولا يملك الضغط على زر الجرس لتنبيه الركاب أن قطار الحل السياسي قد تعطل، بل أقصى ما يملك هو إدارة الأزمة بدلاً من حلها.

أهم الأخبار