العربة وخيولها المقيدة
فى عام 1975- إن اسعفتنى الذاكرة -وقبيل حله ببضعة أشهر، وقف المرحوم الدكتور احمد الخطيب داخل قاعة عبد الله السالم، وأطلق تصريحا غاية فى القسوة، حين وجه كلامه إلى الصف الأول حيث يجلس الوزراء ورئيسهم فى ذلك الوقت المرحوم جابر الأحمد ولى العهد آنذاك، قائلا: «إن الوزراء ليسوا إلا موظفين كبار عند ولى العهد»!!
اشتعلت القاعة وتكهرب الجو وغضب الأمير الراحل وقام بمغادرا القاعة، فتبعه الوزراء وانفرطت الجلسة!!
مرت على تلك الحادثة حوالى خمسين عاما تعاقبت خلالها على الشعب أعداد ضخمة من الوزراء والنواب أيضا، جراء سياسة «حل مجلس يلد حل مجلس ولو استمر الحال على هذا المنوال لخمسين سنة أخرى فسيصبح عدد الوزراء والنواب السابقين أكثر من عدد البدون!
الوزراء يأتون ويغادرون دون أثر «فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر»، منهم من يرحل خلال أيام وبعضهن ترحل خلال ساعات والبعض الثالث فى بحر أسابيع قليلة ورابع فى مدى شهور لا تزيد على اأصابع اليد الواحدة! لكنهم - جميعا - «كثرة كغثاء السيل»!!
كنت فى مكتبى بالجريدة ذات مساء متابعا ومنتظرا تشكيل حكومة جديدة فجاءنى اتصال من أحد مصادرى داخل مكتب رئيس الوزراء الجديد فسألته: «هل لديك أسماء التشكيل؟!»، فضحك وقال: «التشكيلة.. غصت»!! قلت: «فى شنو»؟! قال: «قاعدين ندور على وزير قبلي»!
مجتمع تعود على «المحاصصة» ليس فى اختيار المبدعين بل فى استجلاب الموظفين، كما وصفهم الراحل الخطيب قبل نصف قرن!!
قبل سنوات كنت فى قاعة الدرجة الأولى بمطار الكويت، حين اقترب مني رجل يرتدي بنطالا أبيض وقميصا أسود ويضع قبعة «بيريه» على رأسه لإخفاء صلعة على ما يبدو ولاحظت أنه يحمل فى يده «بطاقة صعود الطائرة وجواز سفر لونه أخضر!!
مد يده للسلام مرحبا بي فلم أعرفه وهو لاحظ حيرتى فقال: «أنا فلان الفلانى وزير سابق»!!
من كثرتهم لم نعد نعرفهم!جاؤوا وغادروا ولم يتركوا خلفهم أثرا يذكر ولا رائحة تشم ولا إنجازا يحمد!!
كتبت مقالا قبل يومين عن سمو رئيس الوزراء المستقيلة حكومته الشيخ محمد صباح السالم، اعتبره الكثير من الأصدقاء «من مسؤولين سابقين ورجال أعمال» بأنه إشادة به فى غير محلها وبأن سموه يخشى المواجهة ويخاف من السلطة ويتراجع وقت الصجية.
وقد كان لزاما عليه ان يبقى ويثابر ويناضل ويكافح من أجل مستقبل افضل للبلد وليحقق احلام المواطنين وتفاؤلهم بقدومه ليطهرها من الدنس والفساد والحرمنة…الخ الخ الخ»!!
كما تقول ليلى مراد فى اغنيتها الشهيرة: «كلام جميل ماقدرش أقول حاجة عنه»، لكن هل سأل هؤلاء أنفسهم إن كان محمد الصباح- أو أى رئيس وزراء قبله - يملكون سلطة وقوة تشبه تلك التى فى يد أسياس أفورقى رئيس وزراء أثيوبيا أو مصدق رئيس وزراء إيران أيام الشاه أو «رفيق الحريرى رئيس وزراء لبنان أيام أميل لحود او مزاحم الباجه جى فى العراق زمن فيصل الى آخره»؟!!
معظم من تم اختيارهم من وزراء ورؤساء وزارات منذ الاستقلال وحتى اليوم «خوش رياييل وأولاد ناس وعوايل سنعة ومحترمة» لكنهم كانوا «منزوعى السلاح» وفى مناصبهم مثل عربة مذهبة جميلة ترمز للبلد مربوطة بعشرات الأحصنة العربية الأصيلة القادرة على الانطلاق بأقصى سرعة لكن الحوذي المسكين الجالس على مقعده ويلهب ظهورها بالسياط يراها لاتتحرك إذ أن عجلاتها مربوطة بسلاسل فى الأرض!
حين تفكون هذه الاغلال وتطلقون طاقة تلك الأحصنة سيعود إلينا وطن عبد الله السالم الذى تحلمون به ليل نهار الخالي من الدمامل المعافى من الجروح! وطن يريد ان نمد له ايدينا «لننتشله” من حفرته لا ان نمدها الى جيوبه «لننشله»!
أيضا اعترض بعضهم على سطر إشادة بالسفيرة زين الصباح معترضين عليها كونها «تدخلت فى الشأن الداخلى الأميركى بتأييدها لاحتجاجات طلبة الجامعة هناك»!!
وأيضا «كلام جميل مااقدرش اقول حاجة عنه» لكن هل سمعتم او قرأتم او نمى الى علومكم أن السفيرة الأميركية عندنا وزملاءها الذين سبقوها وقصص تدخلاتهم فى الشأن الكويتى مثل حقوق المثليين وحرية القول والتعبير، بينما الشرطة الأميركية تكسر أضلاع طلبة الجامعات هناك من نيويورك إلى أوريجون ومن مونتانا الى فلوريدا فقط لانهم قالوا رأيا؟
كل ما فعلته زين الصباح أنها تعاملت بالمثل و«كما ترانى ياجميل أراك»! لم يبق لسعادة السفيرة الأميركية إلا أن تقنعنا بأن رش «كاتشاب هاينز” على المجبوس افضل بكثير من دقوس «ك دى دى»!!!