اليابان تعيد تشكيل قوتها العسكرية في ظل تنامي تهديد الصين وغموض الموقف الأمريكي

اليابان تعيد تشكيل قوتها العسكرية في ظل تنامي تهديد الصين وغموض الموقف الأمريكي

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية بشرق آسيا، تتجه اليابان بثبات نحو إعادة رسم ملامح سياستها الدفاعية، متخلية تدريجيًا عن عقود من النهج السلمي الذي فرضه دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مواجهة تنامي النفوذ العسكري الصيني، وتراجع الثقة في الالتزامات الأمريكية التقليدية.

وحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، فإن طوكيو تسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية لتصبح لاعبًا فاعلًا في أمن المنطقة، معتمدة على تحديث جيشها وتوسيع شراكاتها الاستراتيجية. وفي مشهد يعكس هذا التوجه، انتشرت بطاريات صواريخ متنقلة تابعة لوحدة جديدة على تلال مكشوفة بجزيرة أوكيناوا، في إشارة واضحة إلى الاستعداد لمواجهة محتملة مع الصين.

التوسع العسكري الياباني لا يقتصر على الانتشار الميداني، بل يشمل أيضًا تحديثًا نوعيًا في التسليح. فقد بدأت اليابان في تزويد قواتها بأنظمة متطورة أمريكية ومحلية الصنع، مثل مقاتلات "إف-35 بي" وصواريخ "توماهوك"، ما يمنحها ولأول مرة منذ 1945 القدرة على تنفيذ ضربات هجومية بعيدة المدى.

وتهدف طوكيو من خلال هذه الخطوات إلى تعزيز مكانتها كشريك لا غنى عنه للولايات المتحدة، خاصة في ظل تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب التي انتقد فيها اعتماد اليابان المفرط على المظلة الأمنية الأمريكية. ويرى نوبوكاتسو كانيهارا، نائب مستشار الأمن القومي الياباني السابق، أن تطوير القدرات العسكرية التقليدية يُعد بمثابة "رسالة طمأنة" لواشنطن بأن طوكيو تتحمل نصيبها من عبء الدفاع المشترك.

وجاءت الحرب في أوكرانيا لتدفع اليابان في عام 2022 إلى مضاعفة إنفاقها العسكري ليصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث، وأتاحت إنعاش الصناعات الدفاعية المحلية، التي بدأت تطوير أسلحة جديدة مثل الصواريخ الفرط صوتية وأنظمة الليزر المضادة للطائرات المسيّرة.

كما أعلنت اليابان عن خطط لإنشاء مقر عمليات مشترك مع الجيش الأمريكي في طوكيو، في خطوة رحّب بها البنتاغون، وتعد مؤشراً على نوايا اليابان لتعميق التعاون العسكري الثنائي.

لكن رغم هذه التحركات، لا يزال القلق يخيّم على صناع القرار اليابانيين، وسط مخاوف من انسحاب أمريكي مفاجئ من التزامات الدفاع، أو عقد صفقات كبرى مع الصين على حساب حلفاء واشنطن التقليديين في آسيا. وتخشى طوكيو على وجه الخصوص من تبني إدارة ترامب القادمة - إن عادت - لسياسة "أمريكا أولاً" التي قد تعيد ترتيب أولويات واشنطن الاستراتيجية.

تحسبًا لأي سيناريو، بدأت اليابان في بناء شبكة تحالفات أوسع، شملت تعاونًا ثلاثيًا مع بريطانيا وإيطاليا لتطوير مقاتلة متقدمة، إلى جانب تعميق علاقاتها الدفاعية مع أستراليا، والمشاركة لأول مرة في مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في الفلبين.

كما تحتفظ طوكيو بما يمكن اعتباره "خطة طوارئ نووية" غير معلنة، إذ تمتلك مخزونًا كبيرًا من البلوتونيوم المدني القابل للاستخدام في صناعة سلاح نووي. لكن تبقى هذه الورقة شديدة الحساسية في بلد لا يزال يعيش تحت ظل كارثة هيروشيما وناغازاكي.

في المجمل، تعكس التحركات اليابانية تحوّلاً جذريًا في العقيدة الدفاعية للبلاد، وسط بيئة إقليمية متقلبة وتحولات جيواستراتيجية تعيد تشكيل موازين القوة في آسيا.

للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك

أهم الأخبار