الخطوط الجوية الكويتية.. بين إرث التاريخ وسهام التشويه

في الوقت الذي تسعى فيه الشعوب إلى الحفاظ على مؤسساتها الوطنية، وتبني أمجادها لبنة لبنة، نجد في الكويت من يمعن في جلد ذاته، ويطلق السهام الطائشة على واحدة من أعرق مؤسسات الوطن.. إنها الخطوط الجوية الكويتية، الناقل الوطني، وواجهة البلاد في السماء منذ أكثر من سبعة عقود، والتي تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مادة يومية للانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي، دون تمحيص، ودون تحرٍّ للحقيقة.
نعم، ننتقد عندما يُخطئ أحد، ونطالب بالإصلاح دائمًا، لكن أن تتحوّل مؤسسة وطنية إلى هدف دائم، يُرشق بكل تهمة، وتُختلق حولها القصص، وتُؤلف عنها الإشاعات، فهنا لا نتحدث عن حرية رأي، بل عن مشروع "هدم" منظم لكل ما هو جميل في هذا الوطن.
لماذا نحاول خنق كل محاولة إصلاح؟
كلما جاء مجلس إدارة يحمل خطة تطوير، ويحاول أن ينهض بالشركة من أعباء الماضي، انطلقت الأبواق، وتحولت السوشيال ميديا إلى محكمة تفتيش، ترفض الإصلاح وتعتبره خطرا يجب إيقافه، وكأن المطلوب ألا تتحسن الشركة، ولا تتطور، ولا تتعافى.
متى توقفنا عن إعطاء الفرصة؟ متى صار الحكم على النوايا أسهل من النظر في النتائج؟ لماذا لا ننتظر لنحكم؟ لماذا كل هذا التشكيك، في كل تحرك وكل قرار، وكأننا ننتظر الزلات فقط لننقضّ عليها؟
لمن لا يعرف أو يتجاهل عن عمد، فإن الخطوط الجوية الكويتية ليست مجرد شركة طيران، بل هي جزء من ذاكرة الوطن وهويته ولدت من رحم النهضة النفطية، حين انطلقت أول شحنة نفط عام 1946، فتبعها الازدهار الاقتصادي، وشهدت الكويت حينها ميلاد حلم الطيران المدني، الذي تحقق عام 1954 بتأسيس شركة الخطوط الجوية الكويتية الوطنية المحدودة، برأسمال متواضع حينها، بلغ 150 ألف دينار كويتي فقط.
ومن يومها، لم تتوقف الكويتية عن الإقلاع نحو المستقبل، رغم الصعوبات. أدخلت طائرات نفاثة في الستينات، فتوسعت شبكتها لتصل إلى لندن، ثم نيويورك ومانيلا. تطورت الأساطيل من طائرات DC-3 إلى الكوميت والبويتغ 707، ثم إلى العملاقة B747. إنها رحلة حافلة لا يُنكرها إلا جاحد.
في الثاني من أغسطس 1990، تعرضت الخطوط الجوية الكويتية لواحدة من أقسى الضربات في تاريخ شركات الطيران: الاحتلال العراقي لم يسرق فقط طائراتنا، بل حاول تمزيق الذاكرة. 15 طائرة دمرت، والمقرات نهبت، والمنشآت خربت، لكن الكويتية عادت، ونهضت من جديد.
بعد التحرير، وبالرغم من الجراح العميقة، أعادت الكويت بناء شركتها الوطنية، واستعادت بريقها تدريجيا، حتى باتت من جديد واجهة الدولة، تنقل أكثر من مليون ونصف راكب سنويًا، وتشغّل شبكة تمتد إلى قارات العالم.
نعم لسنا في عالم معزول وشركات الطيران العالمية تتعرض لضغوط هائلة، منافسة شرسة، وأسعار وقود متقلبة، ومطارات تزداد تعقيدًا. والخطوط الكويتية ليست بمنأى عن هذه التحديات، ولكن بدلاً من دعمها لتكون أقوى، نُطلق عليها النيران من كل صوب، ونتغافل عن حسناتها، وعن محاولاتها لتحديث أسطولها، وتحسين خدماتها، وفتح خطوط جديدة، وتقديم عروض تسويقية منافسة.
نقد الأداء حق مشروع، ولكن الفرق كبير بين من يريد الإصلاح، ومن يريد التكسير. الأول يضع يده على الجرح ليُعالجه، والثاني يضغط عليه ليُعمّقه. نحن بحاجة اليوم إلى وعي إعلامي ووطني يفرق بين المحاسبة وبين المزايدة، بين التصويب وبين التصيّد.
كلمة أخيرة، الخطوط الجوية الكويتية ليست ملكًا لأشخاص، بل ملك لهذا الوطن. هي رايته في الجو، وصورته أمام العالم. وإذا كانت تحتاج إلى تطوير، فلنقف معها، لا ضدها. وإذا كانت تسعى للإصلاح، فلنعطها فرصة. فليس من الوطنية أن نهاجم كل إنجاز، ونُحبط كل مجتهد، ونُطلق الأحكام جزافًا.
كفانا هدمًا لذاتنا، كفانا تحطيمًا لصروحنا الوطنية، فالتاريخ لا يُغفر فيه أن تكون شريكًا في إضعاف مؤسسات بلدك باسم "الانتقاد".
دعونا نحلق معها لا نسقطها.
وللحديث بقية..
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك