بين دوامة الماضي وحملات الحاضر.. صمود الخطوط الجوية الكويتية

هناك مقولة عظيمة منسوبة للعالم المصري الراحل أحمد زويل، تقول: «الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»، تذكرتها مؤخرا وأنا اشاهد ما يحدث من البعض تجاه شركتنا الوطنية الخطوط الجوية الكويتية.
وقد شهدت الخطوط الجوية الكويتية مؤخرا اجتماع جمعيتها العمومية، والذي وصف بالناجح والصريح والشفاف، وهو ما يعكس مرحلة جديدة من الثقة في أداء الشركة، لكن هذه الأجواء الإيجابية لم تدم طويلًا، إذ تزامنت مع حملة هجوم إلكتروني ممنهج وله أغراضه التي نعرفها، استهدفت هذه الحملة رئيس مجلس الإدارة، الكابتن عبد المحسن الفقعان، ومجلس الإدارة الحالي، وهذه الحملة لم تكن مجرد نقد عابر بل سهام مسمومة، تجاهلت تاريخ طويل من التحديات الجسيمة التي واجهتها الشركة، وتباين ظروفها مع نظيراتها الإقليمية التي أصبحت عمالقة في سماء الطيران العالمي.
وقبل الخوض في الدفاع عن هذا الصرح الوطني، وحتى لا يبدو الأمر مجرد «كلام» كما يقال، فلنتحدث أولا عن مجموعة من الحقائق والأرقام ستجعل الصورة أكثر وضوحا.
فمن أجل أن نفهم الوضع الحالي للخطوط الجوية الكويتية، يجب أن نعود إلى جذور التأسيس ومحطات التاريخ الصعبة. تأسست الشركة في عام 1953، وتعد من أقدم شركات الطيران في المنطقة، لكن نقطة التحول الأبرز كانت في عام 1962 عندما أصبحت مملوكة بالكامل للدولة، ورغم مسيرتها التي امتدت لعقود، جاءت الضربة القاسية في عام 1990 مع الغزو العراقي. هذه الكارثة لم تكن مجرد أزمة عابرة، بل كانت محطة فارقة أثرت على الشركة لعقود تلتها.
تشير الحقائق إلى أن الغزو أدى إلى مصادرة 15 طائرة من أسطول الخطوط الكويتية، وتم نقلها إلى الخطوط الجوية العراقية، كما تعرضت طائرات أخرى للتدمير خلال عمليات قصف مطار الكويت الدولي. هذا الحجم الهائل من الخسائر المادية، والذي يمثل تقريبًا كامل أسطول الشركة في ذلك الوقت، وضعها في موقف ضعف شديد وأدخلها في معارك قانونية طويلة ومرهقة لاستعادة أصولها والتعويض عن خسائرها.
إلى جانب الكارثة الخارجية، عانت الخطوط الجوية الكويتية من تحديات داخلية مزمنة، أبرزها عدم الاستقرار الإداري، كان التغيير المستمر في مجالس الإدارة أشبه بـ«الدوامة» التي منعت أي خطة طويلة الأجل من أن ترى النور، فمجالس الإدارة كانت تتغير بشكل متكرر، مما أدى إلى غياب الرؤية الاستراتيجية وتشتيت الجهود.على النقيض تمامًا، استطاعت شركات خاصة مثل طيران الجزيرة تحقيق نمو واستقرار لافت بفضل استمرارية إدارتها ورؤيتها الواضحة، مما يبرز كيف أن الاستقرار الإداري ليس مجرد رفاهية، بل هو حجر الزاوية لأي نجاح مؤسسي.
تعتبر مقارنة الخطوط الجوية الكويتية بعمالقة الطيران الإقليميين مثل الخطوط القطرية وطيران الإمارات بمثابة مقارنة بين ظروف شديدة الاختلاف، فقد حظيت هذه الشركات بدعم حكومي لا محدود، بلغ قيمته مليارات الدولارات، مما مكنها من بناء أساطيل ضخمة وتطوير بنى تحتية متطورة، على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا، تلقت الخطوط الجوية القطرية دعمًا حكوميًا وصل إلى 2 مليار دولار، بينما حصل طيران الإمارات على 3.8 مليار دولار لمواجهة تداعيات الأزمة، هذا الدعم لم يقتصر على الأزمات فقط، بل كان جزءًا من استراتيجية حكومية أوسع لتحويل هذه الشركات إلى أدوات قوة اقتصادية وسياسية.
في المقابل، لم تحظ الخطوط الكويتية بهذا النوع من الدعم المفتوح، بل على العكس، كانت ميزانياتها تخضع لرقابة ومناقشات مستمرة من قبل مجلس الأمة، وتشير التقارير إلى أن المجلس كان يتدخل بشكل مباشر في إقرار الميزانيات، وهو ما أدى في بعض الأحيان إلى تعطيل خطط التحديث والتطوير، هذا التدخل أثر بشكل مباشر على قدرة الشركة على تحديث أسطولها وتطوير خدماتها.
حاليًا، يضم أسطول الخطوط الجوية الكويتية 27 طائرة حديثة، مع خطط لزيادته إلى 30 طائرة بنهاية عام 2025، ورغم أن هذا التوسع يعد إنجازًا في حد ذاته، إلا أنه يظل متواضعًا مقارنة بأسطول طيران الإمارات الذي يضم أكثر من 250 طائرة، أو الخطوط القطرية التي تتجاوز طائراتها 200 طائرة وتواصل استلام طلبيات جديدة.
هذه الأرقام لا تظهر فقط فجوة في الحجم، بل تعكس تباينًا جذريًا في استراتيجيات الدعم الحكومي والرؤية للمستقبل.
على الرغم من هذه الخلفية المعقدة، حققت الخطوط الجوية الكويتية بقيادة مجلس الإدارة الحالي إنجازات ملموسة، فقد أظهرت البيانات المالية الأخيرة تحسنًا واضحًا، حيث انخفضت خسائر الشركة بنسبة 50% في عام 2022، كما نمت إيراداتها بنسبة 16% في عام 2023 لتصل إلى 335 مليون دينار كويتي، ورغم أن الشركة أعلنت عن تأجيل تحقيق نقطة التعادل المالي إلى ما بعد عام 2025 بسبب التوترات الإقليمية وتأخر تسليم الطائرات، إلا أن هذا المسار الإيجابي يعد مؤشرًا على أن جهود الإصلاح بدأت تؤتي ثمارها.
ولم يقتصر التحسن على الأرقام المالية فقط، بل شمل تجربة المسافرين بشكل مباشر، فقد أطلقت الشركة خدمات مبتكرة مثل خدمة من البيت إلى البيت (Home Check-in)، التي تتيح للمسافرين إنهاء إجراءات السفر من منازلهم، مما يضيف مستوى جديدًا من الراحة والرفاهية.
كما انعكست هذه التحسينات على التصنيفات العالمية، حيث حصلت الخطوط الجوية الكويتية على المركز العشرين عالميًا والخامس على مستوى الشرق الأوسط في تقرير إير هيلب لعام 2024، وهو إنجاز يثبت أن الشركة تسير على الطريق الصحيح لرفع مستوى خدماتها.
أما فيما يخص مطار الكويت الدولي وتحديدًا مبنى الركاب الجديد (T4)، فهو يدار بالكامل من قبل كفاءات وطنية، و الإدارة التشغيلية للمبنى تتم بالتعاقد مع شركة "إنشيون" الكورية الدولية. وجزء من استراتيجية هذا التعاقد يشمل تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية الشابة، وهو ما يوضح أن هناك جهودًا حقيقية لضمان نقل المعرفة والخبرة لجيل الشباب الكويتي.
هذا التوضيح يظهر أن الإنجازات لا تزال قائمة، ولكنها تتخذ مسارًا تعاونيًا يجمع بين الخبرات العالمية والطاقات المحلية.
حملة تشويه أم نقد بناء؟
فيما تأتي حملة الهجوم الإلكتروني الأخيرة ضد مجلس الإدارة في سياق يطرح تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، ففي ظل الإنجازات الواضحة والجهود المبذولة لإصلاح الشركة، نجد هذه الحملات نوعًا من التشويه الممنهج، يهدف إلى عرقلة التقدم.
لذلك، من الضروري التمييز بين النقد البناء الذي يهدف إلى تحسين الأداء، وبين حملات التشويه التي تستند إلى شائعات وأخبار غير موثوقة، فالنقد البناء هو ركيزة أساسية لأي تطور، لكنه يجب أن يكون مبنيًا على معلومات دقيقة وموضوعية.
في هذا الظرف الدقيق، نتوجه برسالة مباشرة إلى معالي وزير المالية بالوكالة بضرورة التدخل الحاسم لطمأنة إدارة الخطوط الجوية الكويتية وجميع العاملين فيها بضمان استقرارهم الوظيفي والإداري، ويجب الوقوف بحزم أمام محاولات الحاقدين والمتربصين بهدم هذا الصرح الوطني العريق.
كما ندعو المواطنين الكرام إلى دعم هذا الكيان الوطني، فالنقد البناء أمر صحي ومطلوب، ولكنه يجب أن يستند إلى معلومات دقيقة وموثوقة، لا إلى حملات التشويه التي تهدف إلى النيل من كل إنجاز جميل في بلدنا.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك