الكويت في حرب أكتوبر.. حين قاتلنا على ضفة قناة السويس دفاعا عن العروبة

في السادس من أكتوبر عام 1973، لم تكن مصر وحدها التي عبرت قناة السويس بل عبرت معها أمةٌ بأكملها، قلبها النابض في الخليج، وروحها الممتدة من المحيط إلى الخليج.. كانت الكويت الصغيرة بمساحتها، الكبيرة بمواقفها جزءًا أصيلًا من هذا النبض، حين لبّت النداء العربي دون تردد، وشاركت أشقاءها المصريين والسوريين في واحدة من أعظم معارك الكرامة في التاريخ العربي الحديث: حرب أكتوبر المجيدة.
لم تكن مشاركة الكويت رمزية أو سياسية فحسب، بل كانت مشاركة ميدانية فعلية، حمل فيها أبناء الكويت السلاح ووقفوا على خطوط النار جنبًا إلى جنب مع الجنود المصريين، فقد أرسلت الكويت كتيبة اليرموك إلى الجبهة المصرية، وهي من أوائل الوحدات العربية التي وصلت إلى أرض المعركة، قاتلت الكتيبة في محاور القتال شرق القناة، وسطر رجالها مواقف بطولية شهد بها القادة المصريون أنفسهم، مؤكدين أن الدم الكويتي امتزج بالدم المصري على أرض السويس والإسماعيلية.
ولعل كثيرين لا يعلمون أن هناك شهداء كويتيين دُفنوا في أرض مصر، في مدينتي السويس والإسماعيلية، حيث رقدوا في سلام إلى جوار رفاقهم المصريين، وكأن الأرض الطيبة أرادت أن تخلّد معنى الأخوة لا بالكلمات، بل بالعظام الطاهرة التي امتزجت في تراب واحد.. هؤلاء الشهداء ليسوا مجرد أسماء في سجل التاريخ، بل رموز لزمنٍ آمن فيه العرب أن المصير واحد، وأن الكرامة لا تُجزأ.
لقد كانت حرب أكتوبر بالنسبة للكويت أكثر من واجب قومي، كانت تأكيدًا على هوية عربية لا تعرف المساومة، فحين اشتعلت الجبهات، لم تسأل الكويت عن المسافة بين الخليج والنيل، بل سألت عن الموقف فاتخذت موقف الرجال، وأغلقت أنابيب النفط دعمًا للمعركة، وقدمت المساعدات المادية والعسكرية، لأن معركة مصر كانت وستظل معركة الأمة كلها.
تلك المشاركة لم تكتبها السياسة، بل كتبها الضمير العربي الكويتي الذي أدرك مبكرًا أن الأمن القومي العربي كلٌّ لا يتجزأ، وأن الدفاع عن القاهرة هو دفاع عن الكويت والرياض ودمشق وبغداد.
واليوم، ونحن نحيي الذكرى الثانية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، نتذكر بكل فخر شهداء الكويت الذين استشهدوا على أرض مصر، ونستحضر موقف القيادة الكويتية آنذاك، التي جسّدت معنى الأخوة الصادقة في زمنٍ كان فيه الصدق عملة نادرة.
لقد انتصر العرب في أكتوبر ليس فقط لأنهم حرروا الأرض، بل لأنهم أعادوا للعروبة معناها الحقيقي، حين وقف الكويتي والمصري والسوري في خندقٍ واحد، يحملون البندقية ذاتها، ويحلمون بالنصر ذاته.
رحم الله شهداء الكويت في السويس والإسماعيلية، ورحم الله كل من قاتل في سبيل الكرامة العربية، من أي أرضٍ جاء وإلى أي أرضٍ مضى.
فالعروبة كما علّمنا أكتوبر لا تُقاس بالجغرافيا، بل تُقاس بالدماء التي سالت دفاعًا عن الكرامة.
د/ يوسف العميري
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك