سفير الجزائر بالقاهرة: مؤتمر تجريم الاستعمار فى أفريقيا خطوة نحو العدالة

أشار سفير الجزائر بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية محمد سفيان براح إلى استضافة الجزائر للمؤتمر الدولي حول تجريم الاستعمار في إفريقيا، باعتباره حدث يمثل محطة فارقة فى مسار الوعي القاري ومحاولة جادة لإعادة الاعتبار لصفحات مؤلمة من تاريخ الشعوب الإفريقية طالما تعرضت لحملات الطمس والتشويه.
وأضاف أن اختيار الاتحاد الإفريقي هذا الموضوع محوراً لدورته العادية تحت شعار "العدالة للأفارقة وللأشخاص منحدري الأصل الإفريقى"، يؤكد أن العدالة التاريخية لم تعد مجرد شعار أخلاقى، بل ضرورة سياسية لبناء مستقبل القارة وذاكرة جماعية تحمي الحقائق التاريخية من التزييف، بما يشمل المطالبة بالتعويض واستعادة الحقوق المنهوبة، في وقت يشهد العالم اهتماماً متزايداً بإعادة الاعتبار لضحايا العبودية والاستعمار، باعتبار أن العدالة التاريخية جزء أساسى من التنمية المستدامة وتوازن العلاقات الدولية.
ما أهداف المؤتمر؟
يهدف المؤتمر، بحسب السفير براح، إلى تأطير جرائم الاستعمار قانونياً كجرائم ضد الإنسانية، وتعزيز موقف إفريقيا في النظام الدولي، وبناء ذاكرة جماعية تحمي الحقائق التاريخية من التزييف، بما يشمل المطالبة بالتعويض واستعادة الحقوق المنهوبة.
واعتبر أن الجزائر تمثل، في هذا السياق، أكثر من مجرد مضيف للحدث، فهي تبرهن مرة أخرى على التزامها بدعم استقلال القرار الإفريقي واستعادة الأجندة التاريخية للقارة بعد عقود من التبعية وإعادة إنتاج الخطاب الاستعماري بصيغ جديدة، في محاولة لتثبيت حقوق القارة في سرد تاريخها ومنع أي محاولات لإعادة تبييض ممارسات استعمارية قديمة، في ظل تحولات جيوسياسية معقدة وإعادة قراءة انتقائية للتاريخ.
وأشار إلى كلمة وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، والذي أكد أن معالجة آثار الاستعمار أصبحت حتمية لضمان بناء مستقبل إفريقيا "في كنف الكرامة والعزة والعدل"، مشيراً إلى أن المؤتمر جاء ثمرة مبادرة الرئيس عبد المجيد تبون التي لقيت تأييد القادة الأفارقة.
وأوضح عطاف أن مشروع "إحقاق العدالة التاريخية" يشكل استجابة لمحاولات طمس التاريخ وتزييف الوقائع، مؤكداً أن الاستعمار لم يُصنَّف بعد كجريمة لا تقبل التقادم، رغم ما خلفه من دمار بشري واقتصادي وثقافي، وأنه لم يكن مشروعاً حضارياً بل "سطواً ونهباً وافتراساً" عطّل بناء الدول الوطنية ومنع الشعوب من ممارسة سيادتها.
وحدد الوزير ثلاثة مطالب رئيسية للعدالة التاريخية تشمل الاعتراف الرسمي بالجرائم الاستعمارية، وتجريم الاستعمار دولياً، والمطالبة بتعويض عادل واسترجاع الممتلكات المنهوبة، مؤكداً أن هذا المسار لا يهدف للانتقام، بل لضمان العدالة وحماية الذاكرة الجماعية، وفتح الطريق أمام آليات قانونية ودبلوماسية للمطالبة بالتعويضات.
وأشار الوزير عطاف إلى أن التجربة الجزائرية تمثل نموذجاً صارخاً للاستعمار الفرنسي الذي استمر 132 عاماً، وما خلفه من قمع ومجازر وتهجير واسع، إلى جانب التبعات البيئية والصحية الناتجة عن التجارب النووية في الصحراء الجزائرية، مؤكداً أن الاعتراف الرسمي بهذه الجرائم وتعويض الضحايا يمثل حقاً مشروعاً يكفله القانون الدولي. وأضاف أن مسار العدالة التاريخية لا يكتمل إلا بدعم الشعوب التي ما تزال تعاني من الاحتلال أو الاستعمار، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، مع التأكيد على الحق الراسخ لشعب إقليم الصحراء الغربية في تقرير مصيره وفق الشرعية الدولية.
أكبر من مجرد احتفالية
ويرى السفير الجزائري أن المؤتمر الدولي حول تجريم الاستعمار في إفريقيا يمثل أكثر من فعالية أكاديمية أو احتفالية، إذ يشكل نقلة نوعية للقارة الإفريقية تؤكد انتقالها من سردية الضحية إلى سردية الفعل، ومن تسجيل المظالم إلى بناء إطار قانوني وسياسي يجرّم الاستعمار باعتباره واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية.
ومن هذا المنطلق، يرى براح المؤتمر بمثابة خطوة تأسيسية نحو مرحلة جديدة من وعي القارة بذاتها، واستعادة حقها في كتابة تاريخها بلسانها الخاص، مستلهماً إرث قادة التحرر في إفريقيا على غرار الأمير عبد القادر، جمال عبد الناصر، نيلسون مانديلا وباتريس لومومبا، لضمان أن تتحول العدالة التاريخية من مجرد شعار رمزي إلى واقع ملموس يرسّخ الحق والإنصاف.
وأضاف أن هذا المسار يحمل أهمية خاصة للشعب الفلسطيني في جهود توثيق الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ ثمانية عقود، فضلا عن الشعوب التي عانت من الاحتلال وما خلّفه من آثار عميقة على اقتصادها وهويتها الوطنية.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك







