القمة العربية.. لم الشمل أم بعثرته؟!

القمة العربية.. لم الشمل أم بعثرته؟!
د.يوسف العميري

في الأفراح والأتراح ومختلف المناسبات، يجتمع أفراد العائلة الواحدة، في رسالة واضحة - لأنفسهم قبل أن تكون لغيرهم - بأنهم على قلب رجل واحد، ولهذا فإن الغياب يكون بمثابة الرسالة السلبية، التي حتما تؤثر في سلامة ووحدة هذا الكيان.

وما ينطبق على «العائلة»، ينسحب على مختلف الكيانات، سواء الإجتماعية أو الجغرافية والسياسية.. فكل كيان يحتاج إلى تعاضد أفراده، وتجمعهم وقت يكون الالتقاء هو السبيل من أجل حوار، لرأب أي صدع أو تفكك قد يحيق بهذا الكيان.

وقطعا لا أحتاج إلى الإشارة إلى أن كلامي هذا يتلامس مع الوضع العربي، في القمة المنعقدة هذه الأيام في الجزائر.. هذه القمة التي تتخذ من شعار «لم الشمل» خارطة طريق، خصوصا ونحن نعاصر مزيج من المشاكل والتحديات، التي تكاد تعصف باستقرار العالم كله.. وليس الوطن العربي وحده.

فمن غول الكورونا إلى شبح الحرب الأوكرانية، وما بينهما من صراعات إقليمية وأوضاع داخلية «ملتهبة» في كثير من الدول، يجتمع العرب اليوم في الجزائر من أجل البحث عن حلول واقعية، يمكنها أن تسير السفينة إلى بر الأمان، خصوصا في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان.. وبالطبع تأتي القضية الفلسطينية كملف دائم الحضور، فالصراع ليس (فلسطين - إسرائيل) فحسب، إذ أننا أمام شقاق داخلي بين الأشقاء.

كما يبحث المجتمعون في الجزائر ملفات أخرى ومنها «التدخلات الإيرانية والتركية» في الشؤون العربية و« الإرهاب» وتأثيره في المنطقة.. ثم ملف إصلاح الجامعة العربية ذاتها، بناء على رؤية طرحتها الجزائر.

وقبل أيام، كتبت مقالا تحت عنوان «عرب بلس في مواجهة البلطجي الأمريكي.. والله زمان»، أشيد فيه بالموقف العربي المشرف، حيث سارعت معظم الحكومات العربية بتأييد القرار السعودي بخصوص خفض إنتاج النفط، رغم الغضب الأمريكي، بل وتلويح العم سام بـ«العصا» تحت مسميات عدة من بينها فرض عقوبات أو تقليص مساعدات.

ظننت - وبعض الظن ليس إثما - أن ذلك الموقف بمثابة عودة الروح لوحدة القرار العربي ولم الشمل، غير أن متابعتي لأجواء القمة العربية، وما صاحب ذلك من غيابات على مستوى بعض القادة العرب - لأسباب مختلفة - ربما خيب أملي على نحو ما.

صحيح أن بعض الغيابات مبررة، كالغياب لأسباب صحية أو لاعتبارات سياسية داخيلة، كما في حالة الرئيس اللبناني ميشال عون الذي يغيب لاعتبارات تخص انتهاء عهدته الرئاسية في 31 أكتوبر.. وصحيح أن موقف الدولة - أي دولة - لن يختلف مهما كان اسم رئيس الوفد فالرؤية الرسمية واحدة.. ولكن!

كنت أتوقع أن يستثمر العرب الفرصة، مدفوعين بموقفهم الموحد الداعم للسعودية في «موقعة» أوبك بلس، فيحضرون قمة الجزائر بـ«كامل العدد»، لتكون خير رسالة بأن العرب عازمون بالفعل على «لم الشمل» والتكتل من أجل مصالحهم المشتركة، في زمن فيه الحيتان الكبيرة تأكل الأسماك «المنفردة».

وصراحة، كان للخلافات التي شوهت الاجتماعات التحضيرية على مستوى وزراء الخارجية، قبل انطلاق القمة، الأثر السيء في نفسي ونفوس كل العرب.. صحيح أن الخلافات والتباينات واردة، لكننا - كعرب - في موقف لا نسحد عليه إطلاقا، وليس أمامنا إلا نسيان كل الخلافات لرأب الصدع والعمل على بناء وحدة عربية حقيقية وموقف واحد.. فهذا هو مصدر القوة الحقيقية التي يمكن التعويل عليها، في ظل عالم يموج بالاضطرابات والتحديات الكبيرة.

وأخيرا، لا بد من إحياء «الدبلوماسية الشعبية» والعمل على تفعيلها من جديد.. فالتاريخ يشهد أن الشعوب العربية كانت دوما على قلب رجل واحد، حتى وإن اختلفت الحكومات والقيادات السياسية.. وللحديث بقية فمثل هكذا ملف يحتاج إلى مزيد من العمل.. والله من وراء القصد.

أهم الأخبار