المستشفيات الميدانية في غزة شريان حياة في مواجهة الإبادة

قبل بدء حرب الإبادة والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 كانت 38 مستشفى و81 مركزا صحيا وعشرات المؤسسات الصحية تعمل في القطاع.
وبعد 19 شهرا من الحرب أخرج الاحتلال أغلبيتها على الخدمة إما بتدميرها أو قصفها واستهدافها بشكل مباشر أو حرقها أو بفعل الحصار وإغلاق المعابر ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية.
وفي ظل انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة برز دور المستشفيات الميدانية الدولية والعربية والمحلية والتي شكلت طوق نجاة لبعض الجرحى والمرضى.
وبلغ عدد المستشفيات الميدانية في القطاع 11 آخرها المستشفى الميداني الأردني "غزة 82" الذي باشر باستقبال المرضى في شمال القطاع في 18 أيار/مايو الجاري ويضم عيادات جراحية متخصصة منها العظام والأسنان والباطنية إضافة إلى عيادات الأطفال والنسائية والطب العام وغرف العمليات الكبرى والصغرى وقسم الأشعة وقسم المختبر والصيدلية ما يضمن توفير خدمات طبية متكاملة للمراجعين.
ولم تسلم المستشفيات الميدانية من استهداف الاحتلال سواء بالقصف أو التدمير وعانت من شح الأدوية والمستلزمات الطبية وإعاقة الاحتلال وصول البعثات الطبية. وفي نيسان/إبريل الماضي تعرض المستشفى الميداني الإماراتي في رفح جنوب القطاع لسقوط شظايا جراء غارات الاحتلال الإسرائيلي ما أدى إلى تضرر بعض مرافقه الحيوية.
كما أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني (شفاء فلسطين) في مواصي خان يونس جنوب القطاع توقف العمل في قسم العمليات الجراحية جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمستشفى نتيجة قصف الاحتلال محيط المستشفى في 17 أيار/مايو الجاري ما أدى إلى تعطل المولدات ولوحة التحكم الرئيسية للكهرباء بالإضافة إلى أضرار جسيمة في معظم أقسامه.
وفي ظل الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة تواصل المستشفيات الميدانية التي تتوزع في عدة محافظات خاصة وسط القطاع وجنوبه تقديم خدمات الرعاية الصحية وإجراء العمليات الجراحية للجرحى والمرضى لتشكل ركيزة مهمة في مجال الاستجابة الطبية للاحتياجات المهولة للمواطنين مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية.
المواطن محمد أبو عبيدة يقول لـ"وفا" إنه كان يعاني التهابا حادا في أعصاب القدم وتزامن ذلك مع اجتياح إسرائيلي كامل لمجمع ناصر الطبي والمنطقة المحيطة به في محافظة خان يونس فاضطر إلى التوجه إلى المستشفى الميداني غرب مدينة دير البلح ووجد معاملة طيبة من الطواقم الطبية وحصل على رعاية كاملة خلال فترة مكوثه في المستشفى.
ويشير إلى أن الطواقم التمريضية المحلية والعربية والدولية تقوم بواجبها على أكمل وجه وتمتاز بالمهنية العالية وفقا للإمكانات المتاحة.
من جهته يقول المواطن طه الفرا إنه مكث في المستشفى الميداني التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خان يونس قبل نقله إلى ساحة السرايا في غزة أكثر من شهر جراء إصابته بعدة طلقات نارية في قدميه فركب البلاتين وأجرى عدة عمليات في العظام وأخرى لتضميد الجروح والكسور التي كان يعانيها مشيدا بجهود الطواقم الطبية في التعامل مع المرضى والمصابين وتقديم الاستشارات والخدمة المجانية طوال فترة العلاج.
ويضيف "كانت الطواقم الطبية تحاول توفير العلاج والمسكنات والمضادات الحيوية والأدوية والمحاليل للمرضى رغم شح الإمكانيات وعدم توفرها بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر".
من جانبه يقول المواطن محمد أبو شمالة إنه أصيب بجروح صعبة في قصف للاحتلال على مخيم خان يونس فنقلته طواقم الإسعاف إلى مستشفى الكويت الميداني غرب المخيم لقربه من مكان القصف مشيرا إلى أن سرعة استجابة طواقم المستشفى أنقذ قدمه من البتر قبل نقله إلى مجمع ناصر الطبي لإكمال رحلة العلاج وإجراء عمليات العظام.
ويشير إلى أنه في مجمع ناصر الطبي تم عمل عدة عمليات جراحية في قدمه وتركيب بلاتين خارجي فيها بدلا من بترها وأن الفضل في ذلك يعود إلى طواقم المستشفى الميداني الكويتي مضيفا أنه بعد انتهاء فترة العلاج والجراحات في مجمع ناصر يتابع حالته في المستشفى الميداني الكويتي لقربه من مكان سكنه وكذلك للمعاملة الطيبة والصدر الرحب من الطواقم.
المدير الطبي في المستشفى الميداني الكويتي "شفاء فلسطين" في خان يونس الدكتور جمال الهمص يوضح لـ"وفا" أن المستشفى يقدم خدمات طبية ورعاية أولية وخدمة الإسعاف على مدار الساعة ويحتوي على أربع خيام ويديرها 60 من الكوادر الطبية منهم 30 طبيبا و30 ممرضا.
ويشير إلى أن لدى المستشفى مركبات إسعاف تكون جاهزة لأي طارئ وتساعد على نقل المرضى والمصابين من المناطق التي يستهدفها الاحتلال إلى المستشفى وتتدخل بعدها الطواقم الطبية بتقديم الإسعافات الأولية والرعاية لتلك الحالات لافتا إلى أن الحالات الحرجة أو التي تحتاج إلى عمليات كبرى ورعاية خاصة تنقل إلى مجمع ناصر الطبي حيث إنه المستشفى المركزي في خان يونس للتعامل معها.
وذكر أن المستشفى الكويتي كان يتبع قبل الحرب وخلال وجوده في محافظة رفح جنوبا لجمعية الرحمة الكويتية وعقب تدمير الاحتلال لمقرها جرى نقله إلى خان يونس مؤكدا أن المستشفى يعاني أشد المعاناة من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية التي يحصل عليها عن طريق المؤسسات الدولية نظرا إلى إغلاق المعابر وحرمان المواطنين في قطاع غزة من أدنى حقوقهم البشرية بما فيها حقهم في العلاج.
ويلفت إلى أن المستشفى كباقي المستشفيات والمرافق الصحية في القطاع التي تعاني أزمة الدواء والمضادات الحيوية الضرورية للمرضى والمصابين وهي تعاني نقص الإمدادات والتبرعات الخارجية نظرا إلى إغلاق المعابر فتضطر في كثير من الأحيان إلى شرائها عن طريق شركات توريد الأدوية والمستلزمات الطبية التي أصبحت هي الأخرى تعاني المشكلة نفسها.
ويقدم المستشفى خدمات مجانية في عدة تخصصات منها الأنف والأذن والحنجرة والعظام والمسالك البولية والجراحات العامة المختلفة والنساء والولادة "الولادة الطبيعية والعمليات القيصرية والتنظيمات ما بعد الإجهاض" والأمراض الباطنية بحسب المدير الطبي للمستشفى مشيرا إلى وجود عيادات خارجية يعمل فيها أطباء واستشاريون بعضهم متقاعد ويقدمون خدماتهم للمواطنين بأسعار رمزية.
من جانبه يقول الناطق باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رائد النمس لـ"وفا" إن المستشفى الميداني التابع للجمعية في ساحة السرايا وسط محافظة غزة يقدم الخدمة للمواطنين على مدار الساعة ويعتمد عليه في تحويل المصابين من المستشفيات الأخرى كما حدث مؤخرا عندما خرج المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" على الخدمة بسبب العدوان الإسرائيلي.
ويشير النمس إلى أن المستشفى يحتوي على 65 سريرا ويشرف عليه 165 طبيبا وممرضا وإداريا من الفريق الطبي العامل التابع للجمعية ويحتوي على عدة أقسام منها الاستقبال والطوارئ والعيادات والحضانة والعمليات والعناية المكثفة ويعمل على تلبية الاحتياجات الصحية والطبية بشكل مجاني للمرضى والمصابين.
ويؤكد أن المستشفى يدعم القطاع الصحي في ظل الانهيار الحاد في المنظومة الصحية جراء ما حل بها من جرائم إسرائيلية ممنهجة خلال فترة العدوان وأيضا في ظل النقص الحاد في الموارد والإمكانيات الطبية جراء إغلاق المعابر وقطع جميع الإمدادات بما فيها الصحية والطبية.
ويضيف أن هناك نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية جراء إغلاق الاحتلال للمعابر ونقصا في الأوكسجين والوقود وأدوات التخدير والتعقيم والجراحة مشيرا إلى أن الإمكانيات المتوفرة ضعيفة بسبب الاعتماد على المخزون الاستراتيجي منذ أكثر من شهرين ونصف شهر وهي تشارف على الانتهاء.
ويتابع "إذا استمر الوضع على حاله فمن شأنه أن يزيد تفاقم الوضع الإنساني وقد يهدد بتوقف بعض الأجهزة الطبية والأقسام" آملا أن تثمر الجهود المبذولة من أجل دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني والكف عن سياسة العقاب الجماعي وفتح المعابر على وجه السرعة ليتم تقديم الخدمات الصحية والطبية للمواطنين على أكمل وجه.
ومن جهتها تقول نائب رئيس برنامج الصحة في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بإقليم غزة الدكتورة رحاب القوقا "إن 60 بالمئة من أرصدتنا الدوائية نفدت وإسرائيل تمنع دخول الإمدادات".
وتشير إلى أن "الأونروا تعمل الآن في 9 عيادات فقط من أصل 22 عيادة كانت تعمل قبل الحرب بعد تدمير العديد منها بالكامل وأن عدد الفرق الطبية تقلص من 117 إلى 38 فقط وأن 71 حالة وفاة سجلت بين النساء الحوامل نتيجة انهيار النظام الصحي في القطاع".
بينما يقول رئيس جمعية العودة الطبية رأفت المجدلاوي إن الاحتلال عطل 85 بالمئة من الخدمات الصحية في القطاع مشيرا إلى أن الاحتلال يمنع دخول أجهزة طبية حيوية تحت ذرائع واهية ما يفاقم الأزمة الصحية.
ويضيف أن الاحتلال انتهك الحق الجوهري في الوصول إلى الخدمات الصحية الذي تكفله المواثيق الدولية مؤكدا أن الفجوة في الخدمات الصحية ستستمر لسنوات ولن تنتهي بانتهاء العدوان بل سنحتاج إلى خمس سنوات على الأقل للوصول إلى مرحلة التعافي.
وبفعل العدوان تم تهجير أكثر من 90 بالمئة من سكان قطاع غزة قسرا فتركوا بلا مأوى أو مقومات الحياة الأساسية.
وقد تسبب هذا العدوان في كارثة إنسانية غير مسبوقة أدت إلى انهيار كامل للبنية التحتية في غزة وتدمير واسع النطاق للمنشآت المدنية والصحية.
وبحسب التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات (IRDNA).
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك