الخميس الأسود: حين اتحدت الكويت بوجه الظلام.. وبيت الأعمال الوطنية يُترك للنسيان

الخميس الأسود: حين اتحدت الكويت بوجه الظلام.. وبيت الأعمال الوطنية يُترك للنسيان
دكتور يوسف العميرى

في مثل هذا اليوم، الثاني من أغسطس، منذ اربعة وثلاثين عاما، استيقظ الكويتيون والعالم على فاجعة لم تخطر ببال أحد، كان يوم خميس، صيفي حار، كانت العائلات تقضي عطلاتها خارج البلاد، فيما كانت الكويت نائمة على وسادة الأمان، آمنة مطمئنة، إلى أن داهمها من ظنّته "شقيقا"، فإذا به يحتل الأرض ويهتك العرض ويشوه التاريخ.

غزو العراق للكويت لم يكن مجرد اجتياح عسكري، بل كان طعنة في قلب الأخوة العربية، وخيانة موثقة للتاريخ، دخلت الدبابات وارتكبت مجازر واعتقالات وجرائم يُندى لها الجبين، فجرا، وبكل برود، وكأنهم يحررون القدس!!

والكارثة أن من غزانا هو من وقفنا معه في حربه الطويلة مع إيران، ومن فتحنا له أبوابنا وقلوبنا وخزائننا!!!!

لكن المفارقة التي لن تُنسى، والتي تستحق أن تُدَرَّس للأجيال، أن الكويت لم تنهزم، ولم تنكسر، بل ولدت من تحت الرماد أسطورة وطنية لا مثيل لها، سبعة أشهر من الصمود الأسطوري، وقف فيها الشعب صفًا واحدًا، سنّة وشيعة، حضر وبدو، كبار وصغار، رجالاً ونساء، التفوا جميعًا حول قيادتهم الشرعية، ورفضوا الاحتلال بكل أشكاله.. قاوموا، خبأوا، كتبوا، دعوا، نظموا، صلّوا، وصبروا، حتى بزغ فجر الحرية، وعادت الكويت حرة أبية.

في تلك الأيام الحالكة، لم تكن النخوة مجرّد شعار، بل كانت ممارسة يومية. كل مواطن كان جنديًا، كل بيت كان متراسًا، وكل كلمة مقاومة كانت رصاصة في وجه المحتل. إنها لحظة وطنية من العيار الثقيل، من النوع الذي لا تكرره الجغرافيا كثيرًا.

واليوم، ونحن نحيي ذكرى هذا اليوم الأليم، لا بد أن نقف دقيقة صمت، لا لأرواح الشهداء فقط، بل على واقع نعيش فيه اليوم، بات فيه التاريخ يُهمّش، والذاكرة تُنسى، والبطولات تُركن في الزوايا المعتمة.

بيت الكويت للأعمال الوطنية، هذا الصرح الذي أردناه شاهدًا حيًا على ما حدث في الغزو، وعلى مقاومة الشعب الكويتي الباسل، بات اليوم سجين الروتين الحكومي والإهمال، ومسرحًا لصراعات إدارية لا تليق بقضية وطنية بهذا الحجم.

يا سادة، المتاحف ليست ديكورات سياحية، وليست رفاهية ثقافية.. هي ذاكرة أمة، وخزان نضال، ومنبر تربوي للأجيال. أين نضع مقتنياتنا اليوم؟ أين توثق دماء الشهداء، وصور الأسرى، ونضال الصامدين؟ أي تاريخ نُبقيه للأبناء إذا كنا نحن نمسحه بالإهمال والتجاهل؟

نحن لا نطلب معجزة، بل فقط الحد الأدنى من الواجب الوطني.

معالي الأخ عبد الرحمن المطيري، رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، هذه مناشدتي الخامسة لك، وقد سبقها سبع سنوات من الكتابات والمناشدات والانتظار.

بعد قرار الديوان الأميري بتسليم الأرض التي يقع عليها المتحف إلى وزارة المالية، ورفض المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب نقل صالة الحلفاء إلى دسمان دون إبداء أي سبب واضح، تُركت مقتنيات تاريخية نادرة عرضة للتلف والدمار بفعل حرارة الجو ورطوبة المطر، وكأن التاريخ لا يستحق سقفًا ليحمي ذاكرة أمة.

إن طلبنا ليس مستحيلا، لا نطلب معجزة، بل نطالب فقط بنقل صالة واحدة إلى موقع بديل في دسمان لحفظ ما تبقى من شواهد الكرامة والمقاومة.

هذا النداء لكل قلب ينبض بالكويت، لكل أم بكت ابنها شهيدا، لكل أب صمد في وجه المحتل، لكل زوجة أُخذ زوجها أسيرًا، لكل طفل وُلد تحت القصف، ولكل شاب حمل السلاح دفاعا عن وطنه.

إن التاريخ لا يرمم إذا تلف، ولا يخلق من العدم إذا مسح، فإما أن نحفظه اليوم، أو ندفنه ونعتذر للأجيال القادمة. بيت الكويت للأعمال الوطنية ليس جدرانا وذكريات، إنه نبض الكويت، مرآة الحقيقة، ومسؤوليتنا جميعا.

وفي الختام، أكرر: المتاحف ليست كماليات، بل ضرورة وجودية، ولا مكان فيها للمجاملات والمحسوبيات، بل للعقول والضمائر الحية. فهل نجد من يُنقذ هذا البيت؟ هل نجد من يُنقذ ذاكرة الوطن؟

وللحديث.. .بقية.

للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك

أهم الأخبار