انطلاق المؤتمر العالمي العاشر لدار الإفتاء المصرية بعنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"

انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي ال10 للإفتاء في القاهرة اليوم الثلاثاء بمشاركة وفود وعلماء ومفتين يمثلون 70 دولة من كبار الشخصيات الرسمية والدينية لمناقشة التحديات والفرص التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على صناعة الإفتاء.
وقال وزير الأوقاف المصري الدكتور أسامة الأزهري في كلمته الافتتاحية إن المؤتمر الذي يقام تحت عنوان (صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي) يشهد اهتماما كبيرا من قبل الجميع بالنظر إلى التحديات والفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في العصر الحديث.
وذكر الأزهري أن رفع شعار "الرشد" من قبل المفتي كان بمثابة دعوة لالتزام القيم الأخلاقية والعقلانية أثناء "الغوص" في عالم الذكاء الاصطناعي ليكون ذلك الإطار الأخلاقي والفكري الذي يحكم على عمل تلك التقنية المتقدمة في المستقبل.
ودعا إلى أن يكون "الرشد" هو الإطار الذي يحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي لتوجيه هذه التكنولوجيا المتقدمة بما يعود بالنفع على المجتمع ويدعم تحقيق التقدم في كافة المجالات مع الحفاظ على القيم الإنسانية والشرعية.
وشدد الازهري على أهمية تقديم رؤية فلسفية رشيدة وأخلاقية منيرة تسهم في تعزيز الوعي والفهم في عصر الذكاء الاصطناعي مضيفا أن الفهم العميق للمفاهيم الأخلاقية والتوجيه السليم يشكلان الأساس الذي يقوم عليه التقدم العلمي والمعرفي.
وأكد أن المؤسسات الدينية في مصر ستظل داعمة ومساندة للجميع اذ انها تعمل على تقديم الخير والنفع في كل ما يعود بالفائدة على البلاد والأمة الإسلامية متمسكة بالقيم الإنسانية والشرعية التي تشكل أساس "قوتنا وتماسكنا".
وشدد الازهري على أن القضية الفلسطينية تظل القضية الكبرى للعالم الإسلامي مبينا أن مصر تقف دوما في صف الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني رافضة جميع محاولات التهجير والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
كما شدد على رفض مصر القاطع لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية وعلى الثوابت الوطنية المصرية في دعم الحق الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967.
من جانبه أكد رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم مفتي مصر الدكتور نظير عياد في كلمة مماثلة إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية بل هو "نعمة عظيمة يمكن للبشرية الاستفادة منها بما يخدم تقدمها وحضارتها شريطة أن يحسن الإنسان توظيف هذه التقنيات".
وأكد عياد اهمية معالجة التساؤلات العميقة التي تثيرها هذه التحولات حول جوهر الإنسان وطبيعته وهو ما يتطلب من العلماء دراسة هذه القضايا بعمق لإيجاد حلول تضمن التوازن بين التقدم التكنولوجي وحفاظ الإنسان على قيمه وأصالته.
وأشار إلى أن الفقهاء على مر التاريخ قد تحملوا مسؤولية الإفتاء استنادا إلى النصوص الشرعية مع مراعاة المصلحة العامة والتغيرات الحياتية ولكن هذه المهمة الجليلة قد تتعرض لتحديات كبيرة إذا تم العمل على برمجة الإفتاء باستخدام التقنيات الحديثة دون وضع ضوابط دقيقة وأسس راسخة.
ولفت العياد إلى أن مثل هذا التحول التكنولوجي إذا لم يكن محكوما بالضوابط الشرعية قد يؤدي إلى الانحراف بالخطاب الشرعي وتحويله من رسالة إنسانية وهداية إلى خطاب تقني مادي يغلب عليه الطابع الآلي ما قد يهدد جوهر الدين وروحيته ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لتأسيس فلسفة متكاملة للذكاء الاصطناعي في المجال الشرعي.
وأكد في هذا الصدد ضرورة وضع أطر فلسفية وأخلاقية واضحة قبل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الحيوي منوها بأن الهدف من توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء لا يتمثل في استبدال الإنسان الآلي بالمفتي بل في تسخير هذه التقنية لخدمة الفقيه وتعزيز قدراته وتمكينه من أدوات العصر الحديث دون التفريط في سر أمانته الشرعية.
وأوضح عياد أن دور المفتي لا يمكن أن يغني عنه الخوارزميات بل هو مرتبط بالخوف من الله والبصيرة الناشئة من القلب والحكمة المستندة إلى المقاصد.
وأشار إلى أن الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مساعدة المفتي يتمثل في مرحلة تصوير المسألة وتحقيقها وهي المرحلة التي تسبق إصدار الحكم الشرعي والتي تعتبر من الركائز الأساسية لصحة الاجتهاد الفقهي.
وأوضح الدكتور عياد انه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في بناء تصور شامل للواقع الذي يتم الإفتاء فيه من خلال تحليل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والقانونية بالإضافة إلى فرز النصوص وتنظيمها وتقديرها بطريقة عملية وسهلة عبر عمليات المقارنة والمقاربة والتركيب.
ولفت إلى أنه من المهم التأكيد على أن هذه التقنية لا تهدف إلى إلغاء الاجتهاد الفقهي بل هي أداة لتنظيم وترتيب المعلومات وتسهيل الوصول إليها بينما يبقى الحكم النهائي في يد المفتي المجتهد الذي يعتمد على رؤيته الخاصة في ضوء ما يقدمه له الذكاء الاصطناعي من بيانات وتحليلات.
وأوضح عياد ان أهم التحديات التي تواجه الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي هو "خطر اختطاف مرجعية الفتوى من يد أهل العلم إلى أنظمة جامدة قد تروج لاراء شاذة وتعيد تشكيل الوعي الديني بناء على معدلات النقل والمشاهدة دون مراعاة للمعايير الشرعية الدقيقة".
وأضاف إن هذه الأنظمة الجامدة قد تساهم في تقويض الثقة بالفتوى الشرعية مما يهدد سلامة الفهم الصحيح للدين.
وأشار الدكتور عياد إلى خطر آخر يرتبط بانزلاق الأنظمة الذكية نحو "الهلوسة الفقهية" حيث تصدر فتاوى أو أحكام مختلفة بصيغة مقنعة توهم المتلقي بصحتها مما يفرض على المؤسسات الدينية أن تكون الحارس الشرعي للوعي الديني وأن تقود تطوير العلاقة بين النصوص الشرعية وآليات تطبيقها في العصر الحديث.
وأكد ضرورة أن يكون دور المؤسسات الدينية هو التأكد من صحة تلك الأنظمة وكشف خفاياها ومواكبتها للشرع بما يضمن عدم التلاعب في تفسير النصوص موضحا أن الفقه والفتوى قد أصبحا واقعا لا يمكن الاستغناء عنهما في العصر الرقمي.
وذكر الدكتور عياد أن الغاية من توصيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء ليست في استبدال الفقيه أو إلغاء دوره بل في تسخير هذه التقنية لخدمة الفقيه وتحقيق التوازن بين التقدم العلمي والحفاظ على الأمانة الشرعية.
ومن جهته قال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري عمرو طلعت "إننا نعيش في زمن يشهد تسارعا غير مسبوق في التطور التكنولوجي إذ يلعب الذكاء الاصطناعي دورا محوريا في تشكيل المستقبل" مضيفا أن "من هنا تبرز أهمية توظيف هذه التكنولوجيا لخدمة الإنسان والمجتمع مع الحفاظ على الثوابت التي ترسخ القيم الأخلاقية والدينية".
وأضاف الوزير طلعت "نؤمن أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية متقدمة بل هو أداة حيوية لتوجيه الأجيال القادمة نحو مستقبل أفضل ولتحقيق ذلك يجب أن نسهم في توفير أدوات ذكية مثل مؤشرات الزكاة التي تلهم الناس وتجمع بين علوم الوعي وضبط التكنولوجيا بحيث تكون ركيزة لقيادة الفكر الرشيد في هذا العصر الرقمي".
وأكد أن مواكبة العصر ضرورة حتمية مشيرا إلى أن هذا لا يتحقق إلا من خلال التكامل بين البصيرة الشرعية واليقظة التكنولوجية.
ولفت الوزير طلعت الى ان "الرشد في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب منا جميعا أن نتمسك بالقيم الإنسانية ونواكب التقدم التكنولوجي بشكل رشيد حتى نتمكن من تحقيق التوازن بين العلم والدين في خدمة الإنسانية".
ويعد المؤتمر العالمي ال10 لدار الافتاء الذي يقام برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منصة دولية بارزة لتبادل الخبرات بين المؤسسات الإفتائية حول العالم.
ويبحث المؤتمر الذي يستمر على أمد يومين آليات تطوير صناعة الفتوى بما يواكب التحولات التكنولوجية المتسارعة مع الحفاظ على الثوابت الشرعية والمرجعيات العلمية الرصينة بما يعزز من دوره في تحقيق السلم المجتمعي وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة.
للمزيد تابع خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك