غوتيريش في «مدرسة المشاغبين»

غوتيريش في «مدرسة المشاغبين»
أنطونيو غوتيريش (الإنترنت)
دبوس كتبه: محمود غريب

يمكن للإنسان أن يكون متلوِّنًا حسب مستوى التغير المطلوب في مواقف معينة، لكن القدرة على تقديم أداء تمثيلي يُقنع المشاهد أن ما يصدر عنه ليس تمثيلاً، بل «أم الواقع»، تلك هي المهارة التي تُكتسب مع الزمن، بحكم تكرار التلوُّن وتنوعه.

يعرف المصريون جيدًا صرخة عادل إمام في مُدرِّسته، وتمايل سعيد صالح ببرود أمام انزعاج معلمته، في مدرسة اصطلح الكاتب على تسميتها «المشاغبين»، وهم طلبة جعلوا معلمتهم مادة للاستهزاء، ولكن الطلاب الحقيقيين يعرفون كواليس ما يحدث في بعض المدارس، وبالتالي سرعان ما تفاعلوا مع الأحداث صدقًا واقتناعًا.

في الواقع، لم يكن الأمر سوى ممثل موهوب، وجمهور مستعد للاقتناع من دون عناء، فخرجت الأحداث كأنها الحقيقة.

لا أدري هل شاهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مسرحيتنا قبل أن يشاغب السلطات القائمة بالاحتلال للأراضي الفلسطينية أم لا، لكن قطعًا قدَّم أداءً تمثيليًا رائعًا، اكتمل مشهده بتفاعل إسرائيلي اعتبر أن أعلى مسؤول أممي جادٌ فيما يقول.

غوتيريش ونتنياهو
غوتيريش ونتنياهو

اقرأ أيضًا: سلامة قلبك يا بايدن

يحتاج الطفل سنتين لينطق أول الكلمات، واحتاج غوتيريش 60 يومًا من العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني، حتى يلتفت إلى المجاوز التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، حين طأطأ أمينَهم العام رأسه إيماءً بأن «الوضع لا يُحتمل»، وهو تقريع على استحياء قابله تصريح وزير خارجية إسرائيل بسخرية، مضمونه اعتبار أن غوتيريش ليس جديرًا بالمنصب.

لم يترك المشهد التمثيلي أي فرصة للاستحياء، ولو على مضض ذلك أن من يُفترض أنه أمين على اتحاد الأمم حول مفردات الإنسانية لم يكن أمينًا لحوالي 60 يومًا من الإجرام الإسرائيلي، ثم يُريد أن يقنعنا أن حديثه صادقًا.

بعد مرور أكثر من 100 يوم للعدوان الإسرائيلي، لا يزال أنطونيو «غير الأمين» يردد خطابًا لا يُقدِّم أكثر من صدى صوتٍ في غرفة مغلقة، لا أحد يسمعه، ولا هو ينتظر استجابة لنداءات كتبت شهادة وفاة المنظمة الدولية، على وقع تجاذبات لصراعات الأقطاب المتعددة، في مرحلة ما بعد القطب الأميركي الأوحد.

غوتيريش أمام معبر رفح
غوتيريش أمام معبر رفح

اقرأ أيضًا: باتيلي التائه في ليبيا

غوتيريش الذي يرى أن «الشرق الأوسط برميل بارود»، غلَّف خطابه على مدار الأسابيع الماضية بعناوين تحوم حول المشكلة ولا تخترقها، يعترف بالحق الفلسطيني، ويطالب بوقف الحرب، ولا يصف الإجرام بالإجرام ولا العدوان بالعدوان، ويضع المحتل في موازاة المقاوم.

الغريب في المشهد العبثي أن سلطات الاحتلال تعاملت مع الموقف على أنه غير هزلي أو فكاهي، وكأن شيئًا سيتغير بتصريحات هامشية لا أثر لها، كما لا أثر لقرار مجلس الأمن الدولي، فلماذا كل هذا الضجيج على مشهد تمثيلي، غير جاد في مدرسة المشاغبين الأممية؟!

أهم الأخبار