كيف تغلغلت جماعة الاخوان داخل المجتمع الإسلامي في فرنسا؟

كيف تغلغلت جماعة الاخوان داخل المجتمع الإسلامي في فرنسا؟
أحمد عبد الله

لم يكن تأثير جماعة الاخوان المسلمين على الجاليات الأوروبية بنفس القدر الموجود حاليا خلال القرن الماضي، حيث كانت تتبع الجماعة استراتيجية القوى الناعمة للتغلغل داخل المجتمعات الإسلامية في عدد من الدول الأوروبية وعلى راسها فرنسا.

وبعد موجة ثورات الربيع العربي ظهر الوجه الحقيقي للجماعة وأهدافها واستراتيجيتها التي تعمل بها وبدأت في الانهيار في عدد كبير من الدول.

وبدأت الحكومة الفرنسية في مواجهة التنظيم وادواته، الا انه حتى الان مازالت الجماعة تسيطر على المشهد، حيث عقد مطلع الشهر الجاري "منتدى الإسلام في فرنسا" تحت رعاية وزير الداخلية جيرالد دارمانان إضافة إلى ممثلي الديانة الإسلامية، وفاق عددهم المائة، منهم عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، المقرب من الجزائر، والرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنور كبيباش، المقرب من المغرب، وعميد مسجد ليون كامل قبطان، والخبير الاقتصادي حكيم القروي الذي عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ سنوات مسؤولاً على التفكير في إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية.

وجاء هذا اللقاء في سياق تتمة لقاءات سابقة استمرت طيلة سنوات، بين 2018 و2020 جمعت منظمات وجمعيات وأئمة والعديد من الفاعلين الذين يمثلون الجالية المسلمة، مما اعتبرته وزارة الداخلية أطرافاً مؤهلة لكي تسهر على ولادة مؤسسة إسلامية جديدة، تتجاوز واقع الأزمة البنيوية التي ارتبطت بالمؤسسة الإسلامية السابقة، أي "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية".

توزعت مجموعات المنتدى على أربع مجموعات، اشتغلت الأولى على تشكيل "سلطة دينية جديدة لمواكبة الإرشاد" في الجيش والسجون والمستشفيات، وهي المهمّة التي كان مكلفاً بها إلى وقت قريب "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، بينما عملت مجموعة أخرى على تحديد وضع الإمام مع تعريف مهنته ودوام عمله وعقد عمله والأجر الذي يتقاضاه.

الإسلام في فرنسا" تحت رعاية وزير الداخلية

كما ركزت مجموعة ثالثة على تطبيق قانون مكافحة "النزعة الانفصالية"، في إحالة على معضلة "الانفصالية الإسلاموية" التي تحدث عنها خطاب

وأخيراً، عملت المجموعة الرابعة على إعداد هيكلية تروم حماية المساجد من الممارسات المناهضة للمسلمين، دون اقتراح أي تصور واضح حول التمويل، ويُعتبر هذا الملف من بين الملفات الشائكة والحساسة في تدبير المؤسسات الإسلامية، بل يوجد ضمن أجندة الخبير الفرنسي من أصل تونسي حكيم القروي، خاصة أنه قادم من مجال الاقتصاد.

ولوحظ على لائحة الشخصيات المشاركة في هذا المنتدى، ساد الصمت عن الحضور الإسلاموي، والمجسد بالتحديد في الحضور الإخواني، على اعتبار أنّ التيار السلفي من جهة وتيار جماعة "الدعوة والتبليغ" من جهة ثانية، اتخذا مسافة من العمل المؤسساتي والصراع على الظفر بنسبة من التمثيلية في المؤسسات الإسلامية، بحكم تفرغهما للعمل الإسلامي الدعوي، بينما الأمر مختلف مع التيار الإخواني في فرنسا، والذي اخترق العديد من المؤسسات الإسلامية، بل إنّه كان أحد أبرز مكونات "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، ولا يمكن أن يكون غائباً عن مضامين ومخرجات "منتدى الإسلام في فرنسا"، ما دام يحظى بتمثيلة وازنة في العديد من مؤسسات الساحة، وما دام يملك الضوء الأخضر من عدة مسؤولين للعمل الميداني تحت شعار "التصدي للانفصالية الإسلاموية"، وما دام يحظى بدعم بعض أنظمة المنطقة العربية، وأخيراً وليس آخراً، ما دام يشتغل بشكل كمي ونوعي في الميدان، مع الجمعيات والمنظمات والمراكز الثقافية والدينية وغيرها، بشكل لا ينافسه على ذلك أغلب المؤسسات المشاركة في أشغال المنتدى سالف الذكر.

كما أن بعض المشاركين في المنتدى حاضرون بشكل فردي، ولا يمثلون مؤسسة دينية أو ثقافية أو غيرها، وبالتالي لا يحظون بوزن تنظيمي في الميدان، بخلاف الحضور الإخواني، والذي وصل تغلغله إلى أنّ أول مؤسسة تعليمية رسمية معترف بها من طرف السلطات الإدارية الفرنسية، أي مؤسسة ابن رشد، أسّسها المشروع الإخواني بالتحديد، ويترأسها اليوم الإخواني عمار لصفر، رئيس الفرنسي للمشروع، أي "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، الذي أصبح ابتداءً من ربيع 2017 يحمل اسم "اتحاد مسلمي فرنسا"، في ما يُشبه تكريس التحايل على الرأي العام والنخب السياسية والبحثية والإعلامية.

وكشفت هذه الجزئيات الغائبة عن أذهان المشاركين في أشغال "منتدى الإسلام في فرنسا" بعض نقاط قوة المشروع الإخواني في فرنسا، ضمن نقاط قوة أخرى، لا نجدها عند باقي المؤسسات، بما فيها المؤسسات التي تسمى إسلامية، أو تنهل من مرجعية إسلامية، ولكنها تشتغل بشكل متواضع مقارنة مع العمل الميداني الذي يشتغل عليه المشروع الإخواني منذ ثلاثة عقود على الأقل، أي منذ ظهور أولى نتائج هجرة مجموعة من الطلاب الإسلاميين، قادمين من دول عربية، تأثروا بالأدبيات الإخوانية، وانخرطوا في تطبيق تلك الأدبيات على أرض الواقع، بمساعدة ظروف محلية، من قبيل ما كان يقوم به الداعية والباحث طارق رمضان.

أهم الأخبار