أزمة منتصف العهر
في النصف من رمضان استفاق «ضمير مستترًا» لمجلس الأمن الدولي، بإشهار «كارت أصفر» بوجه الاحتلال الإسرائيلي، في يوم صمت أميركي، قابلته سلطة الاحتلال بجدية، كأنّ البيت الأبيض غرّد خارج السرب والتفت هذه المرة عن الحليف التقليدي.
يراد لنا أن نصدق أنَّ هذا ليس مشهدًا تمثيليًا في مسرحية هزلية بين جدران مجلس اللأمن، حين يعتقدون أن وقفًا مؤقتًا لنهاية شهر رمضان لإطلاق النار في غزة، يساوي الإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين لدى حركات المقاومة الفلسطينية.
يريد المجتمع الدولي أن ينتزع للاحتلال ما لا يستطيع أن ينتزعه عبر الوسطاء الإقليميين، يمنح هدنة من القتل لمدة أسبوعين مقابل الإفراج عن «جميع» المحتجزين
يريد المجتمع الدولي أن ينتزع للاحتلال ما لا يستطيع أن ينتزعه عبر الوسطاء الإقليميين، يمنح هدنة من القتل والإبادة لمدة أسبوعين مقابل الإفراج عن «جميع» المحتجزين، بينما لم تنخفض مطالب حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» عن سقف إعادة نازحي شمال غزة، والوقف الدائم، أو على الأقل على مراحل طويلة لآلة القتل الإسرائيلية، مع مزيد من التفاصيل بشأن حصة التبادل، التي يريدها «أصحاب الأرض» بواقع «الواحد مقابل الثلاثة».
أتفهم موجة الترحيب بأي قرار يهدف إلى وقف إطلاق النار، لكن في التفاصيل، هل قدَّم مجتمع مجلس الأمن الدولي حلاً واقعيًا يفضي إلى إنهاء حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني؟ وهل أصلاً قرار مجلس الأمن ملزم للاحتلال.
على الصعيد القانوني، يستند الخبراء على رأي محكمة العدل الدولية بإلزامية القرار، بناء على الرأي الاستشاري لعام 1971، وهو ما تؤيده اللجنة السادسة، وهي المنتدى الرئيسي للنظر في المسائل القانونية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
باستحضار العقل، من يمكنه إلزام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ القرار؟ هل فرنسا التي تقدم كل الدعم للكيان الصهيوني منذ بدء العدوان على قطاع غزة، أم الأوروبيون الذي يرقصون على الحبال الصوتية بحناجر تدين أحيانًا الانتهاكات وتطلب الحماية للمدنيين، وفي الوقت نفسه تمتنع عن أي إجراء إلزامي لإثناء الاحتلال عن ممارسته.
تتطابق أزمة منتصف العمر مع المشهد السياسي للدول الغربية، فلا حرج عليهم، جراء اضطراب المواقف الذي يصيبهم تجاه أحداث الشرق الأوسط
في أزمة منتصف كل شيء، ثمة مواقف مخزيَّة، كالصامتون على الجرائم، والمدينون على خجل الممارسات الإجرامية، في هذه المرحلة يحاول الغربيون غسل وجههم ببول البعير، ويلاحقهم الدم الفلسطيني في منامهم.
تتطابق أزمة منتصف العمر مع المشهد السياسي للدول الغربية، فلا حرج عليهم، جراء اضطراب المواقف الذي يصيبهم تجاه أحداث الشرق الأوسط، معلوم أن هذه فترة التقلبات العاطفية، يميل قلبهم للطفل الصهيوني المدلل، وينغزهم ضميرهم تجاه الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
في تلك الفترة يُصاب السياسي باكتئاب نابع من الهزة النفسية التي تحدث، يميلون فيها للعزلة، والعصبية، واضطراب الأفكار، والقلق الذي يساور غوتيريش غير الأمين على الأمم، وتلك أزمة منتصف العهر السياسي.