انتحار.. وائل غنيم

انتحار.. وائل غنيم
وائل غنيم
دبوس كتبه: محمود غريب

الانحدار من قمة الهرم إلى سفحه لا يستغرق من الزمن مقدار الصعود درجة واحدة، وإنهاء سنوات الحياة الزاهرة لا يحتاج أكثر من طعنةً تستغرق ثانيةً لتستقر في منتصف القلب، غير عابئة بسنوات المثابرة ولحظات الصعود والهبوط.

في حالة الناشط المصري وائل غنيم كثير من الوقفات التأملية: شاب هوى بسرعة الصاروخ من قمة الإنجاز إلى قاع الابتزاز، بعدما كان مضرب المثل للإلهام، للحد الذي قذف إلى ذهن باراك أوباما رئيس أكبر دولة في العالم (الولايات المتحدة)، فكرة أن يكون «غنيم» رئيسًا لجمهورية مصر بعد العام 2011.

قبل ذلك العام كان غنيم شابًا مصريًا طموحًا، تدرج في الحياة العلمية والمهنية حتى وصل إلى أرفع مكانة وظيفية على الإطلاق قبيل أن يُشعل فتيل ثورة شعبية في بلاده، وأصبح أكثر المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، واختارته مجلة «تايم» الأميركية ضمن قائمة الشخصيات المائة الأكثر تأثيرًا في العالم عام 2011.

اعتبر مُفجِّرًا لثورة يناير في مصر واختارته مجلة «تايم» الأميركية ضمن قائمة المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في العالم عام 2011.

في الحالات الطبيعية يذهب متصدرو صفوف الثورات إلى قصور السلطة الجديدة، بينما عاد وائل ومعه زمرة من رفقاء جيله من ميدان الثورة إلى منصات التوصل الاجتماعي، خلال فترة لم تكن أفضل حالاً من سابقتها، جاءت في نهاية الأمر بسلطة جديدة أفرزتها صناديق الاقتراع بوجه إسلامي.

اقرأ أيضًا: باتيلي التائه في ليبيا

وائل الذي تأثر في سنوات نشأته الأولى بالأفكار الإسلامية، أعطى ظهره للسلطة الجديدة، وسرعان ما ناصبها العداء عندما خرجت تظاهرات شعبية متمردة على حكم الرئيس المنتمي للإخوان المسلمين محمد مرسى، قبل أن تُفرز الموجة الثورية الثانية في العام 2013 نظامًا جديدًا، لم يستوعب رفقاء «غنيم».

غادر وائل مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهناك ابتلع لسانه لسنوات، ملتزمًا صمتًا، ليته دام، لكنه عاد بصورة «المضطرب نفسيًا»، محوِّلا حساباته على السوشيال ميديا إلى منصة البث المباشر لجلسات تدخين الماريجوانا، وأنواعًا مختلفة من المخدرات، والكشف عن علاقات نسائية وأسرارًا شخصية.

كان يعمل في منصب المدير الإقليمي لشركة جوجل لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بدا وائل غنيم في الإطلالات الأولى بعد الغياب لسنوات كمن يريد أن يقول: «أنا ضحيّة الإهمال»، وفي الواقع كان يمكن أن يعيد تجميع صورته المحطمة بنصائح المقربين، متوكئًا على سنوات تشفع له بالعودة، حتى وإن كانت من بعيد.

في الظهور المفاجئ اشتبك وائل مع إعلاميين ومشاهير وخاض في أعراض الجميع، وكشف أسرارًا لم يتحسب أصحابها لحظة كهذه، ذهب يمينًا ويسارًا، وترك انطباعًا متحسرًا لدى متابعيه، وأكثر حرقة في قلوب من كانوا يرونه قدوة.

اقرأ أيضًا: سلامة قلبك يا بايدن

سنوات الإنجاز، التي وصلتْ في بعض الأحيان إلى الإعجاز، أحرقها بسجاير المخدرات، وهذيان «اللايفات»، وركل صورة الشاب الطموح، المؤثر، إلى زاوية تضم من لا يكون لهم بين العالمين ذكرا.

إنَّ مثل وائل غنيم في «غيّه»، المأسوف عليه، كمثل المنتحر، بيد أن الذاهب للموت بإرادته يحتفظ في صدره بمبررات الفقر أو الخذلان أو الفشل في أيِّ من مقومات الحياة، لكن وائل ألقى بنفسه في بحر المخدرات بإرادته الخالصة، واستقل قطار اللاعودة، وأصبحت صورته قبل 2011 أرشيفيةً.

سخرية التاريخ لا تنتهي، شاءت الأقدار أن يرى شباب مصريون ابن جيلهم وهو يترجَّل إلى النهاية بخطوات متسارعة، وكما كانت السوشيال ميديا وسيلة المواصلات إلى جمهور مليوني، شكّل جيشًا خلف وائل، ها هي مواقع التواصل الاجتماعي نفسها تُقدم النسخة الأردأ من الشاب الذي يتفاخر علنًا بتناول المخدرات القاتلة أمام الجمهور.

هل يعود وائل إلى الحياة، وكيف، وإلى أين ستنتهي مساراته المعوجّة، ومنْ ستُطاله آلة «فضح السر» التي فتحها علنًا على مواقع التواصل؟.. كلها أسئلة تحتاج دراسة متأنية حول «الانتحار البطيء».. لا نكرهك يا وائل.. فقط عُدْ إلى رشدك!

اقرأ أيضًا: غوتيريش في «مدرسة المشاغبين»

أهم الأخبار