لبنان الجريح.. جبال المحبة لا تنسفها رمال السوشيال ميديا

لبنان الجريح.. جبال المحبة لا تنسفها رمال السوشيال ميديا
الدكتور - يوسف العميري
د / يوسف العميري

قبل أيام كنت في زيارة إلى لبنان في مهمة عمل، ومثلت كذلك فرصة لاسترجاع ذكريات وافرة تتعلق بهذا البلد الجميل المحب للحياة حتى في أصعب أوقاته، لكن دعونا أولا نقدم حالص الشكر لمعالي وزير الخارجية الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، ونائبه سعادة الشيخ جراح جابر الأحمد، ومدير إدارة الوطن العربي سعادة السفير أحمد البكر..

وكذلك فإن الشكر موصول لسفارتنا في لبنان ودبلوماسييها والقائمين عليها، لما يقومون به من دور مهم وحيوي على مستوى الحراك السياسي ورعايتها لمواطني الكويت المقيمين في لبنان، خصوصا وأن هذا العام شهد توافد الكثير من الكويتيين لغرض السياحة، فضلا عن الظروف الأمنية التي يمر بها لبنان الجريح.. .فشكرا جزيل الشكر لكل أسرة سفارتنا هناك فردا فردا لما يبذلونه من جهود لخدمة الوطن والمواطن الكويتي.

وبالعودة إلى الزيارة، فقد حضرنا إلى لبنان بناء على دعوة كريمة لبيت الكويت للأعمال الوطنية موجهة من اتحاد المصارف العربية وجامعة الدول العربية، لحضور مؤتمر موسع لمناقشة الوضع الاقتصادي في لبنان، ومثل بيت الكويت الجانب الثقافي والتاريخي في هذا المؤتمر.

وللحق أقول إننا في هذه الأيام وجدنا حرارة الاستقبال والترحاب من الشعب اللبناني الأبي المحب للحياة، وجدنا كذلك الهدوء وجمال الطبيعة اللبنانية الخلابة.. .وجدنا الجبل بشموخه وسحره.. .وجدنا الكرم والمحبة.. .وكذلك السياحة بكل مكوناتها الفريدة في هذا البلد الساحر.. .وربما تكون هذه فرصة كي ندعو أبناءنا من الأجيال الجديدة في الكويت بل والخليج كله كي يزوروا لبنان ويستمتعون بجمال طبيعتها وتاريخها ومزاراتها السياحية الملهمة، فربما معظمهم لا يعرف أن لبنان كان الوجهة المفضلة لكثير من الكويتيين خصوصا في عقدي السبعينيات والثمانينيات.. .فمن ينسى أيام بوحمدون حيث الراحة والاستجمام خلال فصل الصيف.

وفي إطار مهمة العمل هذه، التقينا في مجلس النواب اللبناني رئيس لجنة الخارجية والمغتربين الدكتور فادي علامة، وقد كان اجتماعا مثمرا للغاية، حيث اطلعنا على العمل داخل المجلس، وحملنا الأصدقاء هناك أمانة توصيل محبتهم واحترامهم للكويت دولة وشعبا وقيادة مثمنين مواقف الكويت الداعمة دوما للأشقاء في لبنان.

وعلى هامش هذه الزيارة العامرة التقينا وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام فتحدثنا وناقشنا أمورا عدة، لعل أبرزها ما يتعلق بتصريحه الذي أثار الغضب في الشارع الكويتي، حول إعادة بناء صوامع القمح في لبنان التي دمرها انفجار مرفأ بيروت، قائلا إنه يمكن للكويت إعادة بناء هذه الصوامع بجرة قلم.

وهنا وجب علي القول إن الوزير اللبناني شاب محب لوطنه، وربما دفعته الحماسة للتصريح بهذه الكلمات بحسن نية، وقد اعترف أنه أخطأ لفظيا بهذا التصريح لكنه أبدا لم يكن مقصودا، بل واعتذر وأكد على أنه لم يقصد التعدي على دور المؤسسات الدستورية في دولة الكويت التي يكن لها كل احترام وتقدير، لكنه كان مدفوعا في كلامه ذاك بحب وعشم كبير تجاه دولة الكويت وشعبها الكريم، خصوصا وأنه واجه الكثير من الضغوط من الصحافة والإعلام بالسؤال المتكرر عن دعم الكويت لإعادة بناء الصوامع.

وتأكيدا لكلامه ومحبته للكويت، قال سلام في إطار حديثه الودي معنا، إنهم في لبنان يطلقون عليه لقب "الوزير الكويتي".

وعلى مستوى آخر، أوجه كلامي هنا للشارع الكويتي، فإذا كان الوزير اللبناني أخطأ في تصريحه فما ذنب الشعب اللبناني الشقيق، وأذكر أننا الشعب الكويتي شعب مثقف وواع ومتفهم ويحترم الشعوب، لكن للأسف لقد وجدت في السوشيال ميديا الكثير من التجاوزات في حق شعب لبنان، وهذا يتنافى والأعراف الكويتية التي تربينا عليها، فليست هذه عاداتنا.. .

وبالمناسبة يتناقل البعض في السوشيال ميديا كلاما عن قرابة وزير الخارجية الكويتي ووزير الاقتصاد اللبناني، كونهما "أبناء خالات" وهنا يجب توضيح هذا الأمر، فعندما كان الشيخ سالم سفيرا للكويت في واشنطن كان من خيرة الدبلوماسيين ومثل بلاده خير تمثيل وصنع شبكة من العلاقات القوية سواء على مستوى القيادة الأميركية أو على مستوى السفراء العرب والأجانب هناك، وهذا بشهادة كثير من السفراء العرب والأجانب الذين تعاملت معهم وعرفتهم من قرب.. .وأذكر عندما تولى الشيخ سالم وزارة الخارجية اتخذ العديد من القرارات الوطنية المهمة ومن بينها تسمية الشيخ جراح نائبا فكونا فريقا على مستوى عال من الوطنية والكفاءة.. .

ودعوني كذلك أذكر موقفا ربما يكون كاشفا لإخلاص ومحبة معالي وزير الخارجية لوطنه ومصلحة الكويت، فبصفته مسئولا عن صندوق التنمية الكويتي اتخذ قرارا بوقف جميع المنح والقروض الخاصة في لبنان وغيره، وطلب دراستها بشكل جيد حتى يتأكد من توجيهها في المكان الصحيح الذي يخدم سياسات الكويت ومصالحه، لهذا يمكنني القول بشكل قاطع إن اية صلة قرابة تجمع الوزيرين لا يمكن أن يكون لها تأثير على عمل الوزير والوزارة، فالكويت أولا ولا شيئا قبله.

لهذا أوجه حديثي لأبنائنا في السوشيال ميديا لأن يتحروا تقاليد وثقافة الشعب الكويتي فالحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة، بل إننا لا نرد إلا بالحسنى، وأذكر بأن الشعب اللبناني كان أول من وقف إلى جوارنا في محنة الغزو العراقي للكويت في تسعينيات القرن الماضي، ونحن لا ننسى مثل هذه المواقف.

كذلك، وحتى اليوم فإن أي مناسبة أو حدث أو موقف يخص الكويت، تجد أول من يهتم هو الشعب اللبناني، وكذلك تكون ردة فعل الجالية اللبنانية في الكويت هم أول من يناصرنا، فإذا كان الوزير اللبناني قد وقع في خطأ غير مقصود، فنحن أولى بألا نقع في أخطاء انفعالية وقودها السوشيال ميديا.

وختاما أدعو الله أن يحفظ الكويت والكويتيين وسائر بلادنا وشعوبنا العربية، وجعلنا أخوة متحابين.

للمزيد: موقع خليجيون نيوز، للتواصل الاجتماعي تابعنا على خليجيون

أهم الأخبار