«خليجيون»| عودة غامضة للأمير السنوسي.. هل تحل «الملكية» أزمة ليبيا؟

«خليجيون»| عودة غامضة للأمير السنوسي.. هل تحل «الملكية» أزمة ليبيا؟
الأمير محمد السنوسي
القاهرة: «خليجيون»

«معًا سنصل إلى بر الأمان الذي ننشده جميعًا، وبالحوار نتجاوز هوة اختلافاتنا، نحو بلاد مستقرة آمنة مطمئنة ومزدهرة تحت مظلة الدستور والقانون».. بهذه الكلمات غلّف ولي نجل ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا محمد السنوسي مجمل لقاءات جمعته بطيف واسع من مكونات المجتمع الليبي في إطار مبادرة أطلقتها تستدعي الملكية الدستورية كحل للأزمة السياسية المتأزمة في بلاده.

السنوسي التقى خلال الأسابيع الأخيرة عددًا كبيرًا من الأطراف السياسية والاجتماعية في إطار تفعيل مبادرة تستهدف خلق مظلة للحوار الوطني و«استعادة الشرعية الدستورية الملكية». يقول الابن الطامح لإعادة أمجاد أجداده إنه وجد تقديرًا واحترامًا للأفكار التي يطرحها، فهل هل تصلح الملكية فعلاً لحكم ليبيا؟

هل الدستور أولاً أم الانتخابات؟

قبل الحديث عن الحضور المكثف لفكرة العودة للملكية الدستورية في ليبيا، تجدر الإشارة إلى خلفيات رئيسية جاءت بالفكرة في رؤوس الليبيين، عندما خاضوا جدالاً مفاداه: هل الدستور أولاً أم الانتخابات؟، حيث انقسم الأطراف الليبية حول ضرورة طرح دستور دائم للاستفتاء قبل الذهاب لأي استحقاق انتخابي، وبين من رأوا في هذا التوجه محاولة من السلطة القائمة حاليًا، لإطالة أمد الحكم.

وسبق أن انتخت الليبيون الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وانتهت في 29 يوليو 2017، بإعلان مسودة نهائية، لم تسلم من الانتقادات، خاصة من الأطراف المناهضة للإسلاميين، فضلاً عن انتقادات مناطقية، وجدت في المسودة تجاهلاً للجنوب وإقليم فزان.

العودة لدستور 1951

وعندما وجد الليبيون استحالة إجراء استفتاء على دستور دائم، فضلاً عن الاتفاق على بنوده، وضع البعض على طاولة النقاش حلاً آخر يتمثل في الاتفاق على قاعدة دستورية جديدة، من خلال تعديل الإعلان الدستوري المؤقت الصادر في 3 أغسطس 2011.

وبعدما فشلت تلك الفكرة، لوَّح آخرون بمقترح العودة لدستور الاستقلال في العهد الملكي، مع إجراء بعض التعديلات واعتماده دستورًا مؤقتًا تجرى على أساسه الانتخابات المرتقبة، إلى حين الاتفاق على مسودة دستور دائم.

ودستور ليبيا لسنة 1951 يعتبر التشريع التأسيسي الأول للدولة الليبية الموحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وهي أول وثيقة دستورية في تاريخها التشريعي أعدتها لجنة ضمت ممثلين عن الأقاليم الثلاثة طرابلس وفزان وبرقة بإشراف الأمم المتحدة. لكن القذافي ألغى عند وصوله إلى السلطة في 1969 الدستور الملكي وأعلن الجمهورية.

نظام ملكي أم جمهور؟

الحديث عن العودة لدستور المملكة، تزامن مع حديث أوسع نطاقًا يتضمن سلطة ملكية كاملة مع تعديلات تتناسب مع الظروف الحالية، لكن الباحث الليبي المقيم في بريطانيا سليم الرقعي رأى هذا الطرح غير مقبول، في مقابل النظام الجمهوري الديمقراطي، حتى وإن كان العودة للملكية الدستورية طرحًا يمكن مناقشته.

وعند استحسان هذه الفكرة، فإن العودة للملكية، وفق الرقعي، تبقى محكومة بأربعة شروط، أولها أن تكون ملكية دستورية الحكم فيها للبرلمان لا للملك، وأن تكون مهمة الملك رئاسة الدولة بصلاحيات محدودة هدفها المحافظة على وحدة الأمة، وأن يكون الملك من العائلة السنوسية، على أن يعاد النظر في الملكية بعد 15 عامًا عبر استفتاء شعبي عام.

النقطة الجوهرية في هذه الفكرة، رهينة بمدى قبولها غربيًا، باعتبار أن اللاعب المؤثر في المشهد الليبي حاليًا تلك الأطراف الخارجية، إقليميا ودوليًا، وهو ما التفت إليه الرئيس والمؤسس المشارك لـ«منتدى كامبردج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» شلومو جيسنر، حين كتب عريضة في ميزات العودة لدستور 1951.

تفاعل غربي مع أفكار السنوسي

الكاتب مقتنع بحاجة الشعب الليبي حاليًا إلى زعيم يلتف حوله، لذلك رأى في عودة الشرعية الدستورية، فرصة خاصة أن زعماء القبائل والسياسيين يتقبلون هذه الفكرة. ويدلل على طرحه بأن محمد الحسن السنوسي في المنفى منذ عام 1988، وبالتالي فهو لا يمتلك أجندة خاصة، على خلاف كثيرين في ليبيا.

يبدو أن الغرب بدأ يلفت بجدية لطرح السنوسي، حيث تقرير للمرصد الأوروبي «لوبسيرفتوار دو لوروب»، صنَّاع السياسة في الاتحاد الأوروبي إلى إظهار اهتمام أكبر بمبادرة الحوار الوطني التي أطلقها مؤخرًا نجل ولي العهد إبان الحكم الملكي الأمير محمد السنوسي.

اقرأ أيضًا

«خليجيون» خاص| مصر تعيد الروح لـ«مبادرة باتيلي» في ليبيا

«خليجيون» تكشف أحدث فصول الصراع على إدارة النفط والغاز في ليبيا

باتيلي التائه في ليبيا

وتوفي الملك إدريس السنوسي عام 1983، وتوفي ابن أخيه وولي العهد حسن السنوسي، بعد 9 سنوات في لندن. وقبل وفاته، عيّن محمد نجله رئيسًا للبيت الملكي في ليبيا، لذلك يعدّ محمد الحسن السنوسي هو الوريث الشرعي.

وعندما قام القذافي بانقلاب ضد الملك إدريس السنوسي، في الأول من سبتمبر عام 1969. كان الأمير محمد في السابعة من عمره، وهاجر إلى بريطانيا بعد حرق منزل العائلة في عام 1988. وعند انطلاق الثورة الليبية في 17 فبراير 2011، أيد الأمير الثورة وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لخلع نظام القذافي.

عودة الأمير محمد

بعدما رأى أن البلاد تأخذ منحنى الحرب الأهلية، نأى الأمير محمد السنوسي بنفسه عن الأحداث، وتجنب إبداء أي موقف بجانب أي طرف، وتمسك منذ ذلك الحين بإصدار بيانات على فترات متباعدة تطالب الليبيين بالتوحد ووضع مصالحهم الشخصية جانبًا في سبيل المصالح الوطنية.

مؤخرًا عاد الأمير محمد ليطرح أفكارًا بديلة عن المبادرات الفاشلة، خاصة الأخيرة التي قدمها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي عندما دعا الأطراف الخمسة الرئيسية إلى طاولة حوار، لم تلقِ تجاوبًا كافيًا من المعنيين.

بعدها بأسابيع قليلة ظهر السنوسي، من خلال مبادرة قالها إنها تستهدف تهيئة الظروف لحوار وطني، يستهدف العودة للملكية الدستورية، حيث اقترح مطلع شهر يناير إعادة العمل بدستور 1951 باعتباره «نقطة انطلاق منطقية» لإعادة إرساء الديمقراطية وتقليل الصراع على السلطة، منتقدًا مبادرات المجتمع الدولي التي فشلت طيلة 12 سنة في تقديم الحل.

اقتراح واقعي

رئيس حزب التغيير الدكتور جمعة القماطي، يشير إلى أن فكرة العودة للملكية بحذافيرها «حلم» غير قابل للتنفيذ، ضاربًا مثالاً بسقوط النظام الملكي بدون عودة في بقاع عربية، كـ مصر والعراق واليمن.

القماطي يلحظ في تصريح لـ«خليجيون» غموض مبادرة الأمير السنوسي، خاصة أنه لم يتحدث إلا عن شعارات بدون تفاصيل لـ برنامج سياسي واضح، وذلك في ظل تضارب واضح بشأن الأفكار التي تنتجها مواقفه، من بينها الدعوة لعودته ملكا لليبيين، في وقت يكرر تأكيده على أن الشعب هو صاحب القرار في تحديد نظام الحكم.

يمكن لأفكار السنوسي أن تكون واقعية، بحسب السياسي الليبي، في حال طرح الامير برنامجًا سياسيًا واضحًا، يتضمن رغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية ضمن طيف آخر من الراغبين في خوض التجربة، وبالتالي سيكون استفتاء شعبي على القبول بعودة الملكية بشكل مختلف.

يضيف القماطي أن نجاح الأمير محمد في الفوز برئاسة الدولة يمكن أن يكون حلاً لفترة مؤقتة تستطيع البلاد خلالها إقرار دستور دائم، يحدد شكل الدولة ونظام الحكم، وهي مرحلة يمكن أن تكون أكثر هدوءًا بشأن التعامل مع المقترحات السياسية التي تقود لاستقرار دائم.

حراك ميداني

عبر موقعه الإلكتروني، يجعل الأمير محمد السنوسي العودة لدستور 1951 أساسًا لرؤيته للحل السياسي، وذلك بصيغته المعدلة في 1963، معتبرًا أنه يُوفِّر أساسًا لبداية جديدة، لكونه يتضمن الآليات الموحدة اللازمة لاستعادة الاستقرار والوحدة الوطنية والهوية الليبية ويشمل ذلك مجلسًا نيابيًا.

ولم يغلق السنوسي الباب على دستور الملكية بشكله القديم، مشيرًا إلى إمكانية تعديل بنوده لتكييف مبادئه من منظوري الحاضر والمستقبل، وهو الطريق القائم علي الحكم الخاضع للمساءلة، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتحفيز النمو الاقتصادي، وحماية حقوق المواطنين، واستعاده الهوية الوطنية الليبية والمكانة الرفيعة التي تستحقها ليبيا.

على مدار السنوات الخمس الماضية، تكررت دعوات العودة للملكية في الداخل الليبي، وشهدت عدة مدن فعاليات داعمة للمقترح، بدأت في أكتوبر 2017 عندما احتضنت مدينة غريان المؤتمر الوطني الأول لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية، طالب خلاله المشاركون بالعودة إلى دستور المملكة الليبية.

عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر تفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدكتور ياسين الناجح، يقول إن الحراك الشعبي الداعم لعودة الملكية الدستورية خرج من رحم انسداد كافة السبل والمحاولات لتحقيق استقلال البلاد، قائلاً: «الحل هو العودة لدستور الاستقلال»، من أجل قطع الطريق أمام «الطامعين من الخارج والعابثين من الداخل.. والعودة لدولة مدنية مستقلة تحكمها المؤسسات»، وفق ما شرح لـ«خليجيون».

يقول الناجح إن أغلب الليبيين يفهمون الدعوة لعودة الملكية بطريقة خاطئة، قائلاً: «الأمور مبهمة على المواطنين الليبيين.. المملكة الليبية مملكة دستورية، الملك فيها لا يحكم، فهي بالتالي ليست مملكة مطلقة ولكن نظام ملكي دستوري».

يؤكد أحد مسؤولي حملة إعادة الملكية إلى ليبيا إن الأفكار والمقترحات ليبية خالصة من دون إملاءات أو أجندات خارجية، وبالتالي اكتسبت زخمًا شعبيًا بسبب حالة الإخفاق التي أحاطت بكافة جهود الحل السياسي خلال السنوات الماضية.

وفي يونيو 2022، عقد المؤتمر دورة جديدة في العاصمة الليبية طرابلس، وخلص إلى عدة توصيات من بينها العودة إلى «الملكية الدستورية لليبيا وفق آخر ما انتهت إليه في 31 أغسطس 1969 وتفعيل العمل بدستور المملكة الليبية»، معتبرا أن «العودة إلى النقطة والحالة واللحظة الأخيرة التي انحرف عنها المسار هي العلاج الصحيح والأمثل» للأزمة الراهنة في ليبيا.

رائحة صفقة في سماء طرابلس

في ديسمبر الماضي كرّم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد الدبيبة أحد أبرز المقربين من الأمير محمد السنوسي في الداخل، وهو رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية لليبيا أشرف بودوارة.

وقبل أيام أثارت الإذاعة الفرنسية شكوكًا حول احتمالية وجود صفقة تدار حاليًا لإعادة السنوسي للمشهد، حيث نقلت عن مصادر قولها إن الأمير محمد سوف يعود بمبادرة من الدبيبة إلى ليبيا في 9 فبراير، لافتة إلى أن الأخير أصدر تعليمات بإخلاء قصر ولي العهد سابقًا الواقع بطريق الشط، على مقربة من قاعدة بوستة البحرية، بطرابلس ليتخذ منه السنوسي مقرًا لإقامته، وذلك بناء على اقتراح أردني حتى يتمكن من الاحتفاظ بمقعده كرئيس للحكومة.

تقول الإذاعة الفرنسية إن الدبيبة «سيضرب عصفورين بحجر واحد، ليقطع الطريق إلى الانتخابات الرئاسية في ليبيا أمام اثنين من المتنافسين الرئيسيين في الوقت نفسه، وهما المشير خليفة حفتر، ونجل العقيد القذافي سيف الإسلام».

يذكر أن باريس تتخذ موقفها سياسياً متحفظًا تجاه سلطات غرب ليبيا، بينما تقدم دعما مباشرا وغير مباشر لسلطات شرق البلاد، وهو الاستقطاب الذي ظهر في منتصف الفترة الانتقالية بين إيطاليا وفرنسا، حيث تميل روما إلى طرابلس.

اقرأ أيضًا:

خليجيون| الحكومة الموحدة تختبر جدية ساسة ليبيا

«خليجيون»| لعبة «النفوذ السياسي» تشل نفط ليبيا مجددًا

خليجيون| 5 شكوك تلاحق والي داعش في سجون ليبيا

أهم الأخبار