هل يصبح المغرب العربي فرصة مناخية واعدة للبحث عن الطاقة المتجددة؟

هل يصبح المغرب العربي فرصة مناخية واعدة للبحث عن الطاقة المتجددة؟

كشفت تقارير حديث، عن اتجاه الاتحاد الأوروبي للبحث عن مصادر طاقة متجددة لدى جيرانه في المغرب العربي، أملا في تنفيذ خطته المناخية الاستراتيجية.

ويعمل الاتحاد على تنفيذ خطته المناخية من خلال الحد من الانبعاثات الدفيئة والمحافظة على تماسُك القطاع الصناعي.

وحسب ورقة تحليلية نشرها "مركز الإمارات للسياسات"، يمثل السعي الأوروبي فرصة اقتصادية ومناخية واعدة لدول المغرب العربي، إذ تأمل بعض الدول المغاربية المستوردة للطاقة، وفي الأساس تونس والمغرب، إلى الخروج من حالة العجز الطاقي عبر البحث عن مصادر غير أحفورية.

هذه الحاجة المتبادلة جعلت الأوروبيين يسعون إلى الاستثمار في الساحة المغاربية لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، حيث تمتلك المنطقة إمكانات كبيرة في هذا المجال، سواءً في الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

وتعد الدول المغاربية أيضا مكاناً واعداً للإنتاج المستقبلي للهيدروجين الأخضر، وهو مصدر للطاقة من المرجح أن يكون ضرورياً للاتحاد الأوروبي لتحقيق أهدافه المناخية في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها، كما يملك المغرب العربي اليد العاملة الماهرة والمتخصصة.

لكن هذه المشاريع قد تواجه تحديات جيوسياسية أبرزها عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وعدم استقرار العلاقات بين دول المغرب العربي وأوروبا، وهو عنصر يمكن أن يهدد الثقة المتبادلة، ويحد من الإمكانات التعاونية على هذا الصعيد.

الاستراتيجية المناخية في دول المغرب العربي

بسبب اعتماد بعضها على الوقود الأحفوري، بوصفها دولاً نفطيةً، ووقوع بعضها الآخر في أزمات أمنية وسياسية حادة، لم تُعطِ دول المغرب العربي، حتى وقت قريب، تركيزاً كبيراً أو ملائماً للمسألة المناخية وتداعياتها على قطاع الطاقة والبيئة والإنسان، رغم أن أغلب دول المنطقة انضمت باكراً إلى الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ من خلال التوقيع في عام 1992 على الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC) التي انبثق عنها مؤتمر الأطراف COP، كما صادقت هذه الدول على بروتوكول كيوتو (KP) الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2002، وعلى اتفاقية باريس (PA) في عام 2016.

ومع ذلك، يمكن ملاحظة وجود بدايات اهتمام متفاوت القيمة بين دول المغرب العربي تتمثل بوضع استراتيجيات مستقبلية لمواجهة التحدي المناخي وإن كان معظمها ينتظر التفعيل اللازم، باستثناء ليبيا التي لا تملك حتى اليوم أي خطة استراتيجية في هذا الشأن.

تونس

تضم الاستراتيجية التونسية لمكافحة المناخ عدداً من الخطط الفرعية المقسمة بحسب القطاعات. في قطاع الطاقة تشرف الوكالة الوطنيّة للتحكّم في الطاقة، على خطة متوسطة المدى للحد من انبعاث الغازات الدفيئة، من خلال تحديث المساهمة المحدّدة وطنياً ووضع استراتيجية وطنية لتخفيض الكربون في قطاع الطاقة.

قدَّمت تونس أول مساهماتها المحددة وطنياً في سبتمبر 2015، والهدف منها خفض كثافة الكربون في جميع قطاعات الاقتصاد بنسبة 41% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010. وتحتل الطاقة مكانة بارزة في القطاعات ذات الأولوية في مجال التخفيف، بمساهمة كبيرة بنسبة 75% في هدف التخفيف العام.

تعد كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة الرافعتان الرئيسيتان لتحقيق الهدف المحدد لقطاع الطاقة، والذي يهدف إلى تقليل كثافة الكربون بنسبة 46% في عام 2030 مقارنة بمستواها في عام 2010. وفي قطاع التنمية شرعت السلطات التونسية، منذ عام 2022، في وضع الاستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات الضعيفة والمتأقلمة مع التغيرات المناخية حتى عام 2050، والتي تهدف إلى تحديد أهم البرامج والتوجهات الكبرى القطاعية التي يمكن اعتمادها لبلوغ الحياد الكربوني في أفق عام 2050 من خلال إرساء أسس التنمية النظيفة ذات الانبعاثات الضعيفة من الغازات الدفيئة، خاصة في مجالات النقل والصناعة والزراعة والتصرف في النفايات، وإرساء مقاربة تنموية جديدة تسهم في استمرارية الموارد الطبيعية والمنظومات الإنتاجية، واستغلالها من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية أكثر استدامة على غرار الموارد المائية والأمن الغذائي والشريط الساحلي والمنظومات الإيكولوجية، والتهيئة الترابية والصحة والسياحة.

المغرب

يُعدُّ المغرب الدولة الأكثر اهتماماً بالتحولات المناخية وضرورة الاستعداد لها من بين الدول المغاربية كافة، حيث أطلق المغرب عدة خطط واستراتيجيات تهدف إلى مواجهة تحديات المناخ، منها: خطة المغرب الأخضر للزراعة الذكية مناخياً، والاستراتيجية الوطنية للطاقة، التي تركز على نشر الطاقات المتجددة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030، والخطة الوطنية للمناخ 2030.

ومنذ سنة 2009، وضع المغرب استراتيجية طاقية، ترتكز أساساً على تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية. هذه الاستراتيجية، التي تمت ترجمتها إلى برامج ذات أهداف محددة، والتي جرى مواكبتها بإصلاحات تشريعية ومؤسساتية مستهدفة، مما مكن المغرب من أن يصبح دولة منتجة لمصادر الطاقات المتجددة، في مقابل اعتماده كلياً على الخارج لتلبية احتياجاته من الطاقة الأحفورية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة في المزيج الكهربائي إلى أكثر من 52% في أفق سنة 2030. كما تهدف هذه الاستراتيجية أيضاً إلى استكشاف مصادر جديدة للطاقة مثل تحويل طاقة النفايات (الكتلة الحيوية) في المدن المغربية الكبرى، واستخدام الطاقات المتجددة، قدر الإمكان، وبالتالي تحسين النجاعة الطاقية في المؤسسات العمومية.

يوجد اليوم في المغرب حوالي 111 مشروعاً للطاقة المتجددة في طور الاستغلال أو التطوير، حيث أُنجِزَت قدرة كهربائية إجمالية من مصادر الطاقات المتجددة تناهز 3950 ميغاواط، لتمثل حوالي 37% من القدرة الكهربائية المنجزة (1430 من طاقة الرياح، و750 من الطاقة الشمسية، و1770 من الطاقة الكهرومائية). كما بلغت مساهمة الطاقات المتجددة حوالي 20% في تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية، وسُجِّل تراجع في نسبة التبعية الطاقية من 97، 5% سنة 2009 إلى 90، 5% حالياً.

ومن أجل تسريع وتيرة الانتقال الطاقي، أُطلِقَت عدة مبادرات وبرامج جديدة لدعم الاستثمار في الطاقات المتجددة: برنامج يهم قدرة إجمالية تبلغ 400 ميغاواط لإنجاز مشاريع من الطاقة الشمسية الفولتوضوئية بهدف دعم المقاولات المتوسطة والصغرى. وإعداد خارطة الطريق الوطنية للطاقة الهيدروجينية (المغرب مؤهل لاستقطاب ما يناهز 4% من السوق الدولية). وإعداد خارطة طريق وطنية للتثمين الطاقي للكتلة الحيوية (توفر مكامن مهمة تفوق 20 مليون ميغاواط ساعة في السنة، وتستهدف النفايات المنزلية والزراعية والمياه العادمة). وتطوير برنامج لتزويد المناطق الصناعية بطاقة كهربائية نظيفة، وخاصة المتجددة منها. وتزويد محطات تحلية مياه البحر باللجوء إلى الطاقات المتجددة، وخاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وكذلك وضع لجنة تقنية، والشروع في بلورة خارطة طريق لتطوير طاقة التيارات البحرية.

الجزائر

يعتمد النموذج الاقتصادي الجزائري بشكل رئيس على الوقود الأحفوري، وهو ما يؤدي إلى تزايد سريع للانبعاثات الكربونية، مع ذلك، التزمت الدولة، من خلال المساهمة المحددة وطنياً (NDC)، بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 29% بحلول عام 2030. ونتيجة للتوسع الاقتصادي والسكاني زاد استهلاك الطاقة بشكل كبير خلال العشرين عاماً الماضية. فوفقاً لتقارير وزارة الطاقة، ارتفع استهلاك الطاقة من 31.6 مليون طن من المكافئ النفطي (TOE) في عام 2010 إلى 50.4 مليون في عام 2019.

وإدراكاً للتحديات التي تنطوي عليها هذه الزيادة، تهدف الجزائر إلى تقليل استهلاكها من الطاقة الكهربائية بنسبة 9%، وزيادة حصة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى 27% (حالياً 0.1% من مزيج الطاقة) بحلول عام 2030. في عام 2011 أطلقت الجزائر البرنامج الوطني لتنمية الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة، لكنها بحلول عام 2020 لم تحقق سوى 19% فقط من أهداف البرنامج. وفي محاولة لتعويض هذا التأخير الكبير، أُطلِقَ برنامج جديد لتطوير الطاقات المتجددة هذا العام بهدف تحقيق قدرة تصل إلى 16000 ميجاوات بحلول عام 2035، يعتمد حصرياً على الخلايا الكهروضوئية الشمسية. ويُنتَج 94% من محطات الطاقة الشمسية المتصلة بشبكة الكهرباء الوطنية، والتي ستُنتِج الشريحة الأولى منها البالغة 4000 ميجاوات بحلول عام 2024، فيما ستُنشر نسبة 6% المتبقية في الوضع المستقل بحلول عام 2030.

موريتانيا

انضمت موريتانيا إلى "الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي" عام 1994، وصادقت على اتفاق باريس في عام 2017، ومنذ عام 2020، تبنّت الدولة استراتيجية وطنية للتحول الطاقي تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها إلى 60% بحلول عام 2030. وبفضل موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة، يمكن لآفاق الطاقة المتجددة أن تجعل موريتانيا منتجاً رئيساً للهيدروجين الأخضر. وقد أظهرت الحكومة استعدادها لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، كما يتضح في الآونة الأخيرة من مذكرة التفاهم التي وقعتها مع شركة بريتيش بتروليوم في مؤتمر الأطراف (COP27). يمكن أن تؤدي الاتفاقية إلى مشروع يُولِّد إنتاجاً سنوياً يبلغ مليوني طن من الهيدروجين الأخضر. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الهيدروجين الأخضر بسبب الجهود المبذولة لإزالة الكربون من إنتاج الهيدروجين والخام. وبصفتها منتجاً رئيساً لخام الحديد والنحاس، يُمكِن لموريتانيا إنشاء سوق محلية للهيدروجين الأخضر، حيث تسعى إلى إزالة الكربون من قطاع التعدين. كما تعمل الحكومة الموريتانية حالياً على تطوير الإطار القانوني والتنظيمي المطلوب بدعم من الشركاء الدوليين مثل وحدة دعم CONNEX (مبادرة لمجموعة الدول السبع دعماً للاقتصادات الناشئة في التفاوض على عقود الاستثمار في قطاع التعدين والبنية التحتية)، والاتحاد الأوروبي.

أوروبا ومشاريع الطاقة المتجددة المغاربية

يوجد توثُّب أوروبي كبير بخصوص المسألة المناخية. فمن خلال "الصفقة الأوروبية الخضراء"، التي تهدف إلى جعل الاقتصاد الأوروبي مُستداماً، وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان محايد مناخياً بحلول العام 2050، يسعى الاتحاد إلى إيجاد البدائل للوقود الأحفوري، من أجل تشغيل اقتصاده الصناعي. وأحد ركائز الاستراتيجية الأوروبية المناخية هو توريد طاقة نظيفة، وبأسعار معقولة، وآمنة. يحتاج الاتحاد تطوير قطاع الطاقة الذي يعتمد إلى حد كبير على مصادر الطاقة المتجددة، مع استكماله بالتخلص التدريجي السريع من الفحم وإزالة غاز الكربون. في الوقت نفسه، يجب أن تكون إمدادات الطاقة في الاتحاد آمنة وميسورة التكلفة للمستهلكين والشركات. لهذا ينظر الاتحاد اليوم إلى جاره الجنوبي المغاربي بوصفه أحد الأطراف التي يمكن أن تكون أساسية في خطته لإنتاج الطاقة المتجددة ونقلها نحو أوروبا، ضمن رؤية لا تختلف كثيراً عن تلك التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر عندما رأت البرجوازية الأوروبية الصاعدة في شمال أفريقيا مجالاً أساسياً للتوسع، ومصدراً مهماً للوقود الأحفوري.

تتمتع دول شمال أفريقيا بإمكانيات كبيرة من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتتمتع بموقع استراتيجي بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتحافظ على روابط سياسية واقتصادية قوية مع الدول والشركات الأوروبية. يمكن أن تصبح المنطقة لاعباً مهماً في سلاسل القيمة الخاصة بالطاقة النظيفة. وتعد شمال أفريقيا أيضاً مكاناً واعداً للإنتاج المستقبلي للهيدروجين الأخضر، وهو مصدر للطاقة من المرجح أن يكون ضرورياً للاتحاد الأوروبي لتحقيق أهدافه المناخية في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها. والمنطقة أيضاً موطنٌ للمواد الخام الضرورية (CRMs) اللازمة لانتقال الطاقة، مما يوفر للاتحاد الأوروبي الفرصة لتنويع سلاسل التوريد الخاصة به لتقنيات الطاقة النظيفة. كما أن القوى العاملة الشابة والمتعلمة جيداً في شمال أفريقيا لا توفر فقط للاتحاد الأوروبي قوة عاملة محتملة لتصنيع التكنولوجيا أقرب إلى مجاله الجغرافي من الأسواق الآسيوية، ولكن أيضاً المهارات اللازمة للتعاون الهادف في مجالات مثل البحث والتطوير.

كما يؤدي انخفاض تكاليف الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في شمال أفريقيا إلى جعل هذه الخيارات التكنولوجية تنافسية للغاية من حيث التكلفة على المدى القريب. إذ انخفض متوسط تكلفة تركيب الألواح الشمسية الكهروضوئية (PV) في شمال أفريقيا من 2000 دولار للكيلوواط في عام 2015 إلى 1306 دولارات للكيلوواط في عام 2019، وبالنسبة للرياح من 1795 دولاراً للكيلوواط في عام 2015 إلى 1448 دولاراً للكيلوواط في عام 2019، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا).

وتقول الوكالة إن تكاليف الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا يمكن أن تنخفض أكثر من خلال نشر محطات طاقة البطاريات على نطاق المرافق، الأمر الذي قد يغير قواعد اللعبة لنشر مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء المنطقة.

ضمن هذا الاتجاه بدأت الدول الأوروبية في عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول المغاربية للاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة. ففي أكتوبر 2022 أطلق الاتحاد الأوروبي والمغرب أول شراكة خضراء بشأن الطاقة والمناخ والبيئة، وهي إحدى المبادرات الرئيسة لخطة الاستثمار الأوروبية الملحقة بالاتصال المشترك بشأن شراكة أوروبية متجددة مع البحر الأبيض المتوسط من منظور متعدد الأطراف. وفي يونيو 2022 وقعت المملكة المتحدة اتفاقية شراكة مع تونس حول الاستثمار في الطاقة المتجددة، وقبلها وقعت ألمانيا مع كلٍّ من تونس والمغرب الأقصى اتفاقية استثمار في الطاقات المتجددة، كلها في اتجاه الدعم الفني واللوجيستي لدول المغرب العربي في مجال إنتاج الطاقات المتجددة وتصديرها.

ويبدو أن الجهد الأوروبي في هذا السياق يتجه نحو المغرب وتونس ليكونا الشريكين الرئيسين في هذا القطاع، باعتبار أن ليبيا والجزائر دولتان نفطيتان، في المقابل سيكون للمغرب وتونس مصلحة مباشرة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة لتحقيق سيادتهما الطاقية المختلة اليوم بسبب استيراد الوقود الأحفوري.

أبرز نماذج الانخراط الأوروبي في مشاريع الطاقة المتجددة في المغرب العربي، هو مشروع "محطة نور للطاقة الشمسية بورزازات" في المملكة المغربية، الذي أعتبر في عام تدشينه 2016، أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم.

أهم الأخبار