وثيقة حل سياسي تحت وطأة الجوع في السودان

وثيقة حل سياسي تحت وطأة الجوع في السودان
أطفال سودانيون يحملون مساعدات غذائية. (أ ف ب)

وسط تحذيرات دولية من شبح جوع يكاد يلتهم السودانيين مع قرب مرور عام على الحرب الأهلية في هذا البلد، يتصاعد الجدل حول وثيقة قيل أن أطراف وأحزاب مدنية أعدودها للحل السياسي.

وتضمنت الوثيقة التي حملت عنوان «مقترح الحل السياسي لإنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية»، ونشرتها مجلة «المجلة» وقف الأعمال العدائية وهدنة لشهرين، ثم تشكيل حكومة انتقالية مدنية وجيش موحد خلال فترة تستمر عشرة سنوات. كما تألفت الوثيقة، التي تحظى بدعم أطراف دولية وعربية، من ثلاثة أقسام شملت مبادئ وأسس الحل الشامل ووقف العدائيات (الأعمال العدائية) والمساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى العملية السياسية.

وفي حين قالت مصادر لـ«المجلة» إن الورقة جرى إعدادها بمبادرة عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق وتجمع المهنيين السودانيين، واستندت إلى جهود الحل الجارية وعلى رأسها إعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023، وخريطة طريق «الإيغاد» والاتحاد الأفريقي و«إعلان المباد»" الموقع في المنامة في 20 يناير الماض

ما حقيقة علاقة حمدوك بالوثيقة؟

إلا أن علاء نقد، المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في السودان، نفى اليوم الأربعاء أي علاقة للتنسيقية أو لتجمع المهنيين السودانيين بوثيقة نشرتها بعض الصحف ونسبتها إلى مبادرة أطلقها حمدوكالرئيس الحالي لتقدم وإلى (تجمع المهنيين السودانيين).

وقال نقد لوكالة أنباء العالم العربي «اطلعنا على الوثيقة المسربة التي تحدث الإعلام عنها، كما اطلع عليها الرأي العام. وهذه الوثيقة لم تصدرها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ولا أعتقد حتى أن حمدوك وتجمُّع المهنيين قد تبناها، والأنباء التي تنسبها لهما غير صحيحة». وأضاف أن مبادرة (مقترح الحل السياسي لإنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية) التي نشرتها بعض الصحف تتضمن أشياء كثيرة غير منطقية وغريبة. وقال إن الوثيقة المسربة تتضمن ثلاثة أجزاء «هي مبادئ وأسس حل الأزمة السودانية، ثم الجانب الإنساني، ثم العملية السياسية».

وأضاف «بالنسبة للجزء الأول وهو مبادئ وأسس حل الأزمة السودانية نجد أن به تطابقا كبيرا مع ما تم التوصل إليه في اتفاق المنامة بين قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، ونائب القائد العام للجيش (شمس الدين) كباشي، وتحتوي على 22 بندا، من أهمها بناء وتأسيس جيش مهني واحد، وفك التمكين داخل مؤسسات الدولة السودانية وهيمنة الجيش على النشاط الاقتصادي والسياسي، واستثناء المؤتمر الوطني وواجهتها الحركة الإسلامية من أي عملية سياسية ومن أي قرار قادم في السودان». وواصل «أعتقد أن الجزء الأول يتطابق مع ما ورد في المنامة، بالرغم من أن اتفاق المنامة كان به بعض النقاط الخلافية».

وقال إن من بعض النقاط الخلافية «موعد بدء العملية السياسية، والارتكازات العسكرية لكلا الطرفين، حيث قال الدعم السريع أن ارتكازاته ستأخذ أماكنها في المكان الذي وصلت إليه الحرب لكن الجيش طالب بالعودة إلى ما قبل 15 أبريل، وهذا كان مطلبا تعجيزيا». وأشار إلى أن مركز المراقبة المشترك لم يتوصل إلى صيغة للاتفاق عليها، ولم يتضح ما إذا كان سيقوم بتوصيل المساعدات الإنسانية أم لا، «وأيضا كان هناك الاستطلاع الجوي والبري والبحري، وكان هناك أيضا فتح المطارات في دارفور للعمليات الإنسانية».

تحفظات على وثيقة الحل السياسي في السودان

وأوضح أن الوثيقة المسربة «لم تضع إجابات على كثير من هذه الأسئلة وكان بها تناقضات، فعلى سبيل المثال تم الحديث في بداية الوثيقة في النقطة 1.6 عن أنه لم يتم تحديد موعد معين لإطلاق العملية السياسية، ولكن عندما نأتي لبند العملية السياسية في الوثيقة نجد أنه تحدث عن مدة لا تتجاوز 21 يوما».

ومضى قائلا «وأيضا لم يتم الحديث عن الارتكازات العسكرية، وعن مراكز المراقبة المشتركة، وهناك أيضا أشياء غريبة جدا في الوثيقة مثل تعيين أربعة من الضباط، اثنان من الجيش واثنان من الدعم السريع، ويكون أحدهما قائدا للجيش، واثنان نائبين، ورئيس هيئة الأركان ورئيس هيئة الأركان البرية من الدعم السريع، والبحرية والجوية حسب الكفاءة، وكأنما الكفاءة فقط لازمة للقوات البحرية والجوية وغير لازمة في القوات البرية».

وواصل «كما تحتوي الوثيقة على أشياء كثيرة غير منطقية، كالحديث عن حصانة لقائد الجيش وقائد الدعم السريع، ولم تتحدث عن لجنة لتقصي حقائق ولجنة تحقيق وطنية أو دولية للتعرف على الجناة ومرتكبي الجرائم وتحميلهم مسؤولية أفعالهم». وشدد على أن «نسب هذه الوثيقة إلى تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية غير صحيح وكذلك إلى عبد الله حمدوك كما أكدت مصادر مقربة منه».

وردا على سؤال عما إذا كانت هناك وثيقة حقيقية ستقدمها (تقدم) أو حمدوك قال «كل ما نعلمه حتى الآن هو أن عبد الله حمدوك خلال زيارته القاهرة على رأس وفد من (تقدم) طلب من السلطات المصرية أن تحاول الجمع بين قائدي الجيش والدعم السريع، وقد يسبق ذلك لقاء بين نائب قائد الجيش الفريق كباشي وقائد ثاني الدعم السريع، بناء على ما وصلت إليه محادثات المنامة». وأضاف «أعتقد أن الأشقاء في مصر سيبذلون الجهود للجمع بينهما والوصول إلى اتفاق نهائي، وأعتقد أن في هذه الحالة قد تخرج الوثيقة النهائية».

يترامن الجدل بشأن الوثيقة مع تحذارات مسؤولة في الأمم المتحدة اليوم الأربعاء من أن السودان حيث يلوح شبح المجاعة بعد نحو عام من الحرب، يواجه «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة»، منددة بتقاعس المجتمع الدولي. وقالت إيديم وسورنو نيابة عن منسّق الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن «من جميع النواحي وحجم الاحتياجات الإنسانية وعدد النازحين والمهددين بالجوع، يشهد السودان إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة». واستنكرت قائلة «يحدث استهزاء إنساني في السودان، خلف ستار من الإهمال والتقاعس الدولي. وببساطة، نحن نخذل الشعب السوداني»، متحدثة عن «اليأس» الذي يعيشه السكان.

عام على الحرب الأهلية في السودان

وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الرجل الثاني السابق في السلطة العسكرية، إلى مقتل آلاف السودانيين ونزوح نحو ثمانية ملايين آخرين.

مطلع مارس، دعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف «فوري» لإطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق. واضافت وسورنو «منذ ذلك الحين، يؤسفني أن أقول إنه لم يتم إحراز تقدم كبير على الأرض». في المجمل، يواجه حوالى 18 مليون سوداني خطر المجاعة، أي بزيادة 10 ملايين شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويعاني 730 ألف طفل من سوء التغذية الحاد.

في وثيقة إلى مجلس الأمن الدولي اطّلعت عليها وكالة فرانس برس الأسبوع الماضي، حذر غريفيث من أنّ خمسة ملايين سوداني قد يواجهون في غضون بضعة أشهر «انعدام أمن غذائي كارثياً» بسبب الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم. وقال نائب مدير برنامج الأغذية العالمي كارل سكاو الأربعاء «إذا أردنا الحؤول دون أن يشهد السودان أسوأ أزمة غذائية في العالم، فإن تنسيق الجهود أمر ملح وضروري"، محذراً من انزلاق السودانيين إلى مرحلة المجاعة مع حلول موسم العجاف في مايو. واكدت وسورنو أن سوء التغذية "يودي بالفعل بالأطفال».

ولفتت الى أن «شركائنا في المجال الإنساني يتوقعون وفاة حوالى 222 ألف طفل بسبب سوء التغذية خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة» مشيرة أيضاً إلى خطر وفاة الأطفال الضعفاء بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، في حين أن أكثر من 70% من المرافق الصحية خارجة عن الخدمة.

اقرأ المزيد:

آداء متباين للبورصات الخليجية في انتظار الفائدة

هل تسير مصر على نهج «قنصل البندقية» مع القاهرة التاريخية؟

علي جمعة.. هدير الإفتاء

أهم الأخبار